
دراسات سياسية – مصر ليبيا
الباحثة – الدكتورة – شيماء أغا
مرت ليبيا بالعديد من المراحل ابتداءاً منذ اندلاع ثورة أطاحت بالقذافي ونظامه في عام 2011
ختاماً باجتماعات جنيف برعاية الأمم المتحدة وانتخاب الحكومة المؤقتة . بعد مخاضٍ عسير، حيث ولدت السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا من رحم التجاذبات السياسية، التي سبّبها عدم الاتفاق على من يتولى المرحلة الانتقالية.
ومؤخرا نجح ملتقى الحوار السياسي المدعوم أمميًا في جنيف في اختيار سلطة تنفيذية جديدة، عبر نجاح قائمة تضم رئيسًا للحكومة وهو عبدالحميد دبيبة، ورئيسًا للمجلس الرئاسي وهو محمد المنفي مع عضوين آخرين بالمجلس، وقد قوبلت تلك النتائج بترحيب داخلي وإقليمي ودولي واسع. بعد نهاية أربعة أشهر من المفاوضات بين الشركاء الليبيين، بالاتفاق على تشكيلة مصغّرة تراعي التشكيل الجغرافي.
وتباينت آراء الليبيين بشأن انتخابات السلطة التنفيذية خلال ملتقى الحوار السياسي في جنيف، حيث اعتبر بعضهم أنّ شخصيات التشكيلة الحكومية الجديدة غير متناسقة، فيما رأى آخرون أن نجاح الحكومة الجديدة واستمرارها يتطلب دعمًا دوليًا.
ويري البعض ان التشكيلة الجديدة تتميز بأنها تتألف من متخصّصين وأكاديميّين لم يساهم أحدٌ منهم في صراعات عسكرية، لكنّها أشعلت الاختلافات قبل أن تبدأ بشأن أسمائها وتمثيلها للأقاليم الليبية، وسط تحذيراتٍ من أنها قد تخرج عن خطوط التوافق المألوفة.
ويشيرالبعض إلي أن الشخصيات التي تألفت منها “غير متناسقة ولا منسجمة مع الواقع الليبي”، معتبرًا أنّهم بمجملهم “أشخاص يسعون للوصول إلى السلطة”.
من جهته، يسأل الباحث في الشؤون السياسية ناصر أبو ديب عن “الضمانات” المتوافرة حتى تتمكن الحكومة من العمل بأريحية من المجتمع الدولية، فضلًا عن “الضمانات” لصمودها حتى 24 ديسمبر.
كل تلك التكهنات تطرح تساؤلًا جوهريًا متعلقًا بمدى قدرة السلطة التنفيذية الجديدة، وهي سلطة مؤقتة بطبيعة الحال، على تحقيق خطوات إيجابية من أجل إنجاح المرحلة الانتقالية وصولًا إلى انتخابات عامة في ديسمبر 2021.
ونستعرض في مايلي:
أولا : محطات سياسية على طريق الأزمة.
ثانيا : مخرجات اتفاق جنيف لتشكيل سلطة تنفيذية جديدة.
ثالثاً: موقف الجيش الليبي من تشكيل السلطة التنفيذية الجديدة.
رابعاً : تحديات السلطة التنفيذية الجديدة.
خامساً : تحركات الحكومة الجديدة .
أولا : محطات سياسية على طريق الأزمة:
انقسمت البلاد إلى مناطق وفصائل متناحرة منذ اندلاع ثورة أطاحت بالقذافي ونظامه في عام 2011 والذي حكم البلاد لأكثر من أربعة عقود، وانتهى المشهد بوجود حكومتين وجيشين في شرق وغرب البلاد. منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم شهدت البلاد مبادرات ومؤتمرات واتفاقيات لإنهاء النزاع هذه هي أهمها:
في آب/أغسطس 2012، أعلن المجلس الوطني الانتقالي، الأداة السياسية “للثوار” آنذاك تسليم سلطاته إلى المؤتمر الوطني العام (البرلمان) الذي كان قد انتُخب قبل شهر.
في حزيران/يونيو 2014، تم انتخاب برلمان جديد جاءت أغلبيته مناوئة للإسلاميين الذين قاطعوه. استقرت الحكومة والبرلمان في شرق البلاد.
في نهاية آب/أغسطس 2014، قام ائتلاف “فجر ليبيا” الذي ضم العديد من الفصائل المسلحة بينها جماعات إسلامية، بإحياء “المؤتمر الوطني العام”، البرلمان المنتهية ولايته، وتم تشكيل حكومة في طرابلس. وهكذا أصبح في ليبيا حكومتان وبرلمانان.
في كانون الأول/ديسمبر 2015 وبعد مفاوضات استمرت أشهرا، وقع ممثلون للمجتمع المدني ونواب في الصخيرات بالمغرب، اتفاقا برعاية الأمم المتحدة، وأُعلنت حكومة الوفاق الوطني.
في 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، وقّع طرفا النزاع اتفاقا لوقف دائم لإطلاق النار “بمفعول فوري” بعد محادثات استمرت خمسة أيام في جنيف برعاية الأمم المتحدة.
في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، أعلنت الأمم المتحدة أن المندوبين الليبيين المجتمعين في تونس توصلوا الى اتفاق على إجراء انتخابات عامة في 24 كانون الأول/ ديسمبر 2021.
في الخامس من شباط/ فبراير 2021، انتخب المشاركون في الحوار الليبي – الليبي خلال اجتماعات في جنيف برعاية الأمم المتحدة عبد الحميد محمد دبيبة رئيسا للحكومة المؤقتة، ورحب العالم بالخطوة.
كانت الأمم المتحدة قد أعلنت عن تشكيل السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا والتي تتكون من مجلس رئاسي مكون من رئيس ونائبين(من أقاليم ليبيا الثلاثة)، بالإضافة لرئيس حكومة مستقل عن المجلس.
ثانياً : مخرجات اتفاق جنيف لتشكيل سلطة تنفيذية جديدة:
أفضت مخرجات اتفاق جنيف لتشكيل سلطة تنفيذية جديدة، على رأسها بعض الشخصيات غير المتصدرة للمشهد الليبي، والتي قوبلت بدعم من جانب الشخصيات المتصدرة للمشهد السياسي والعسكري الليبي خلال السنوات الأخيرة، وذلك على النحو التالي:
1- تصويت عقابي في جنيف: لم يكن متوقعًا فوز قائمة دبيبة-المنفي في التصويت على أعضاء السلطة التنفيذية بجنيف في الخامس من فبراير الجاري؛ إذ حصلت القائمة على 39 صوتًا، في مقابل 34 صوتًا للقائمة التي كان متوقعًا لها الفوز، وهي قائمة صالح-باشاغا، والتي تضم رئيس برلمان طبرق المستشار عقيلة صالح، ووزير داخلية الوفاق فتحي باشاغا.
إذ إن نفوذ الأخير في غرب البلاد، والدعم الذي يحظاه صالح في الشرق، جعلهما يبدوان خيارًا مناسبًا للمرحلة الانتقالية، بيد أن التصويت جاء مخالفًا لذلك، وبدا كأنه تصويت عقابي لشخصيات محسوبة على طرفي الصراع الرئيسيين شرقًا وغربًا، ولذا تم اختيار شخصيات جديدة في محاولة للخروج من حالة الاستقطاب الشديدة في البلاد.
2- انتخاب سلطة تنفيذية جديدة: أفضت نتائج جنيف إلى اختيار رئيس للحكومة، وهو عبدالحميد دبيبة، وهو رجل أعمال من مدينة مصراتة غرب البلاد، كما تم اختيار محمد يونس المنفي كرئيس جديد للمجلس الرئاسي، وهو منتمٍ بالأساس إلى مدينة طبرق شرق البلاد، وبالرغم من ذلك فقد كان المنفي سفيرًا لحكومة الوفاق لدى اليونان حتى تم رحيله عنها في ظل الرفض اليوناني للاتفاقيات المشبوهة التي وقّعتها تركيا مع حكومة الوفاق في نوفمبر 2019.
3- دعم المؤسسات السياسية الحالية: قوبلت نتائج جنيف بدعم من جانب الشخصيات القابعة في السلطة الليبية، وعلى رأسها رئيس المجلس الرئاسي ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج، الذي أعلن مباركته لنجاح الحوار السياسي في التوصل لاختيار سلطة تنفيذية جديدة، وتقدم بالتهنئة لمن تم اختيارهم لتولي المسؤوليات في المجلس الرئاسي والحكومة. ومن جانب آخر، فقد أعلن المجلس الأعلى للدولة (جهة استشارية) ترحيبه الشديد باختيار سلطة تنفيذية جديدة، داعيًا إلى ضرورة دعمها حتى موعد إجراء الانتخابات أواخر العام الجاري.
وفي السياق ذاته، فقد تقدم رئيس البرلمان الليبي في طبرق، المستشار عقيلة صالح بالتهنئة للفائزين، ورحّب بنتائج الانتخابات، وتبرز تلك المواقف بيئة داخلية باتت أكثر إيجابية تجاه المشهد السياسي الليبي، خاصة وأن مواقف الترحيب قد جاءت من شرق البلاد وغربها.
ثالثاً: موقف الجيش الليبي من تشكيل السلطة التنفيذية الجديدة:
ترقب الكثيرون موقف الجيش الوطني الليبي من نتائج جنيف، وقد سارع الجيش إلى الترحيب بالسلطة التنفيذية الجديدة، إذ أكد المتحدث باسم القيادة العامة للجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري، أن القيادة العامة تُقدم التهنئة للشخصيات الجديدة التي تم انتخابها، كما تمت الإشادة بالجهود المتواصلة لانتخاب سلطة تنفيذية جديدة يتطلع إليها كل الليبيين.
وأشادت القيادة العامة للجيش الليبي، في بيان اطلعت “العين الإخبارية” على نسخة منه، بالجهود المتواصلة والحقيقية التي بذلتها المبعوثة الأممية بالإنابة إلى ليبيا ستيفاني ويليامز والتي أدت لانتخاب السلطة التنفيذية الجديدة التي يتطلع إليها كل الليبيين.
وقدم الجيش الوطني الليبي، في بيان، التهنئة للشخصيات الوطنية التي تم انتخابها وهي رئيس المجلس الرئاسي محمد يونس المنفي ورئيس الحكومة عبدالحميد دبيبه التي يأمل الليبيون قيامها بالعمل الدؤوب وتقديم الخدمات وتهيئة البلاد لإجراء استحقاق الانتخابات العامة في 24 ديسمبر المقبل، وفقا لما تم الاتفاق عليه، وذلك لبداية انطلاق العملية الديمقراطية وبناء دولة ليبيا الجديدة دولة المؤسسات والقانون.
وقد اعلن أعلن الجيش الليبي أنه سيساعد الحكومة الليبية المؤقتة المنبثقة عن الحوار الوطني في جنيف، للتوصل إلى انتخابات ديسمبر.
وقال المتحدث باسم الجيش الليبي، أحمد المسماري، في مؤتمر صحفي، إن الجيش لديه قناعة تامة بأن الأزمة في ليبيا هي أزمة أمنية، مشيرًا إلى أن الجيش رفض بعض مواد اتفاق ”الصخيرات“؛ لأنها تحل دور الجيش، ولذلك قرر الدخول في المعترك السياسي.
وأضاف: “نبارك للشعب الليبي نتائج ملتقى الحوار السياسي”.وأعرب المسماري عن أمل الجيش الليبي في قيام المسؤولين الذين تم انتخابهم بـ”العمل الدؤوب وتقديم الخدمات وتهيئة البلاد لإجراء استحقاق الانتخابات العامة في 24 ديسمبر، وفقا لما تم الاتفاق عليه، وذلك لبداية انطلاق العملية الديمقراطية، وبناء دولة ليبيا الجديدة دولة المؤسسات والقانون.
وفي أول اختبار فعلي لمصداقية الجيش الليبي حول قبول السلطة التنفيذية الجديدة، استقبل القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر، الخميس، رئيس المجلس الرئاسي الجديد الدكتور محمد المنفي، فور وصوله إلى بنغازي، في مقر القيادة العامة بالرجمة.
وأكد القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر، لرئيس المجلس الرئاسي الجديد الدكتور محمد المنفي، أن القوات المسلحة تدعم التداول السلمي للسلطة.وأكد علي دعم عملية السلام والسعي للحفاظ على الديمقراطية والتداول السلمي للسلطات، مشددا على دعم المجلس الرئاسي الليبي الجديد وحكومة الوحدة الوطنية، التي أنتجها الحوار السياسي لتوحيد المؤسسات والوصول بالبلاد إلى الانتخابات المنتظرة في ديسمبر القادم.
كما من المقرر أن تستقبل مدينة بنغازي رئيس الحكومة الليبية الجديد عبدالحميد دبيبة، ممثل الغرب الليبي في الحوار السياسي، ، حسبما أعلنت وكالة “نوفا” الإيطالية.
والمنفي رئيس المجلس الرئاسي، هو مرشح إقليم “برقة” الشرق الليبي في السلطة الجديدة، ويعود نسبه إلى قبيلة المنفة إحدى أكبر قبائل الشرق التي ينتمي لها المجاهد الليبي البارز عمر المختار.ولبنغازي أهمية ومكانة خاصة لدى الليبيين، خاصة أنها عاصمة البلاد الثانية وفقا لدستور الاستقلال، ورمز الصمود في مواجهة الإرهاب، والمقر الدستوري لمجلس النواب الليبي، ومقرا لعمل الحكومة المؤقتة برئاسة عبدالله الثني، التي من المفترض أن تسلم السلطة للحكومة الجديدة عقب نيلها الثقة من مجلس النواب.
رابعاً: تحديات السلطة التنفيذية الجديدة:
خبراء ليبيون أجمعوا على وجود تحديات جمة تنتظر السلطة الجديدة، بينها إخراج المرتزقة، وتفكيك المليشيات، وتمهيد الطريق للانتخابات.
وأكد الخبراء، في تصريحات متفرقة لـ”العين الإخبارية”، أن نجاح الحكومة الجديدة في المهام الشائكة المكلفة بها، يتوقف على التزام المجتمع الدولي أخلاقيا وقانونيا بدعمها، ومحاولة تمهيد الطريق لها، للوصول إلى انتخابات ديسمبر/كانون الأول 2021.
- تثبيت الهدنة وإخراج المرتزقة.. خارطة طريق أممية للسلطة الليبية الجديدة
أعلنت المبعوثة الأممية إلى ليبيا بالإنابة ستيفاني وليامز، فوز قائمة محمد المنفي برئاسة السلطة التنفيذية المؤقتة في البلاد، ومعه عبدالحميد دبيبة لرئاسة الحكومة، بعد حصولها على 39 صوتا، مقابل 34 لقائمة عقيلة صالح.
وأضافت وليامز، عقب إعلان النتائج، أن المجتمع الدولي سيدعم نتائج الانتخابات، وسيراقب من تمّ انتخابه، مطالبة الحكومة الليبية المقبلة بالحصول على ثقة البرلمان خلال 21 يوما.
- فرض الأمن وتوحيد المؤسسات:
وقال الطيب إن أول اختبار للسلطة الجديدة هو مقر ممارسة عملها، فإن تمسكت بالعاصمة طرابلس فإنها ستكون دوما تحت رحمة المليشيات، ما يجعلها عاجزة عن تنفيذ برنامجها، وأولها توحيد المؤسسات ناهيك عن توحيد البلاد.
وأوضح أنه على الحكومة الجديدة الانتقال من طرابلس للعمل في سرت (الساحل) إن كانت راغبة في تنفيذ مهمتها بنجاح، مشيرًا إلى أن بقاءها في طرابلس يجعل الوضع كما هو عليه في زمن الحكومات السابقة.
وأكد أن طريقة أداء الحكومة وتوزيع المناصب بشكل عادل على الأقاليم وتمثيل كل المكونات بها، سيكون أحد عوامل نجاحها، في حال اجتازت هذا المنعطف الحاسم.
وحول قبول المليشيات المسلحة بالسلطة الجديدة، قال الخبير إنها ستقبل ظاهريا، لكنها ستحاول جعلها دوما تحت الابتزاز، ولن تجعلها تعمل بأريحية ويسر، وستحاول إعاقة عملها إلا إذا كان المجتمع الدولي جادًا في مساعدة هذه السلطة والضغط بشكل فعلي، واتخاذ إجراءات رادعة حقيقية وليست صورية، عندها فقط يمكن لهذه السلطة أن تنجز شيئًا من برنامجها.
من جانبه، يعتبر مختار الجدال، المحلل السياسي الليبي، أن السلطة الجديدة ستواجه عراقيل، ونجاحها في اجتيازها يتوقف على تمثيل واسع لإرضاء المكونات الاجتماعية في ليبيا، عبر اختيار وزراء الحكومة والمؤسسات السيادية للدولة.
وأشار الجدال إلى أن قبول السلطة الجديدة شعبيًا يتوقف على مدى قيامها بتوفير الأمن والاستقرار، وحلحلة الإشكاليات التي يعاني منها الليبيون، وصولا إلى إنجاز خارطة الطريق التي تنتهي بالانتخابات.
وحول تفكيك المليشيات وجمع السلاح وإخراج المرتزقة، اعتبر المحلل السياسي أن هذه الملفات ستكون حجر عثرة أمام الحكومة المقبلة، لافتا إلى أنه رغم أن هذه المهام من اختصاص المسار العسكري والأمني، إلا أن التنفيذ يحتاج إلى سلطة حكومة قوية.
واستبعد المحلل السياسي تتويج الفترة الانتقالية بإجراء انتخابات في ديسمبر/كانون الأول المقبل، وفقا للظروف الحالية، مستدركا: “إلا إذا اتخذت خطوات حاسمة في موضوع حل المليشيات وإدماجها وجمع السلاح وإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية”.
- الالتزام الدولي:
أن نجاح الحكومة الجديدة في مهامها يتوقف على التزام المجتمع الدولي تجاهها أخلاقيًا وقانونيًا.
ويري المحلل السياسي الليبي عقيل عز الدين إن المجتمع الدولي لم يضع (كما حدث في اتفاق الصخيرات/ المغرب 2015) أي التزامات دولية على نفسه حيال مساعدة السلطة الجديدة على صناعة الاستقرار، سوى الترديد النظري الأجوف لوعود وعبارات الدعم والمساندة الافتراضية التي صدرت عن أطراف مختلفة.
- الإفلات من العقاب:
ووفق عقيل، فإن مبدأ الإفلات من العقاب السائد في طرابلس، والنهب المروع للمال العام يخلق جوا يحرض بشكل مرعب على الاستعصاء بالمناصب، محذرًا من أن هذه الأجواء يمكنها أن تنقلب بأي لحظة ضد هذه الحكومة.
وأشار إلى أن هناك أولويات للشعب الليبي على الحكومة الجديدة الإنصات لها والبدء في العمل عليها بشكل عاجل، على رأسها نزع السلاح وتفكيك المليشيات، وإعادة تنظيم وهيكلة القوتين العسكرية والأمنية، وإعادة المهجرين والنازحين وإعادة توحيد المؤسسات والمجتمعات المحلية، وحل المشاكل الاقتصادية المؤلمة.
وأكد أن المواطن الذي لا يتمكن من سحب أمواله من حسابه المصرفي ويعيش على الاقتراض بسبب وجود مليشيات تحاصر المصارف وتمنعه من الوصول لأمواله، لا يمكنه أبدا أن يعتبر الانتخابات حلا لمشاكله.
وأشار إلى أن “الانتخابات نتيجة طبيعية لاستقرار مجتمعي، إلا أنها بالنسبة لظروف الليبيين اليوم، لا تعتبر الأداة المناسبة لصناعة الاستقرار، بل إن إقامتها في ظل فوضى السلاح والمليشيات وتشرد المجتمع الليبي بالتهجير والنزوح، لن تزيد طين مشاكل الليبيين المعقدة إلا بلة”.
- القوى الكبرى وارساء الاستقرار :
فور الإعلان عن الاتفاق على تشكيل الحكومة الليبية المؤقتة وانتخاب رئيسها، سارعت كافة الأطراف المتداخلة في المشهد الليبي للترحيب بالاتفاق وأبدت استعدادها لدعمه والعمل مع الحكومة الجديدة.
ورغم كل تلك المباركات، فلا يمكن إغفال أنه في عام 2014، وبعد أن أدت نتائج الانتخابات المتنازع عليها إلى اندلاع قتال بين حكومتي الشرق والغرب، أصبحت القوى الدولية أكثر انخراطا في المشهد الليبي. فقد دعمت مصر والسعودية والإمارات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر في الشرق، ويرجع ذلك جزئيا إلى معارضته للإخوان المسلمين في ليبيا ليشترك في ذلك مع الدول الداعمة له في حرب تلك الجماعة في أوطانها.
على الجانب الآخر، دخلت تركيا المعركة إلى جانب حكومة الوفاق الوطني في طرابلس لأسباب اقتصادية وسياسية بينها دعم الإخوان المسلمين، ولأن خصومها الإقليميين دعموا الجانب الآخر.
واجتذبت الإمكانات الجيوسياسية لليبيا وثروتها النفطية أطراف فاعلة أخرى مثل روسيا، وأدى دور ليبيا كنقطة انطلاق لطالبي اللجوء المتجهين إلى أوروبا وقربها من معالم مهمة مثل قواعد الناتو في إيطاليا إلى انخراط فرنسا وإيطاليا في الصراع الليبي أيضا.
وبحسب مجلة ايكونوميست البريطانية فإن هناك مؤشرات على أن القوى الأجنبية لا تريد غالباً أن تنجح الإدارة الليبية الجديدة في عملها، لكن الأمر المشجع هو صمود اتفاق وقف إطلاق النار خلال الأشهر الستة الماضية.
ويتساءل عبدالله بن بجاد العتيبي في جريدة الاتحاد الإماراتية: “هل هذه هي نهاية المطاف لسنوات عشر من الفوضى والإرهاب والاحتراب الداخلي والاستعمار التركي والتغول الأصولي ‘الإخواني’ و’القاعدي’ و’الداعشي’؟ هل هي بالفعل نهاية للمأساة الليبية والصراعات الدولية والإقليمية على نفطها وثرواتها؟”
ويقول إن “كل الأمل هو أن تكون الإجابة بنعم، ولكن العقل يرجح الانتظار والتمعن في قراءة التطورات القادمة”.
ويردف ذلك بالقول بأن “الدول التي استثمرت في الفوضى الليبية في المنطقة مليارات الدولارات لا زالت قائمة وتدار بنفس العقليات، وربما نفس الأشخاص والأطماع التي دفعت لذلك الاستثمار موجودة وزادت أكثر، والعملاء والمرتزقة ما زالوا بأموالهم وأسلحتهم في مواقعهم، وبالتالي فمن الجيد رصد المواقف والتحركات في الفترة القليلة المقبلة، لأنها ستنبئ بوضوح عما ستؤول إليه الأمور”.
ويؤكد أن الأمم المتحدة تستطيع حماية السلطة الجديدة “حين تأخذ مواقف حازمة من أي مخالفات للاتفاق ستجري بالتأكيد في المرحلة المقبلة، وحين تضع يدها على أي خلل وتسمي الجهات المسؤولة والأشخاص المعنيين دون مواربة أو غموض، ويمكنها فعل هذا استفادة من كل الدعم الليبي والعربي والدولي المرحب بهذا الاتفاق”.
ويرى جلال عارف في الأخبار المصرية أن “المهام الموكولة للسلطة الانتقالية عديدة وصعبة، والوضع الداخلي المعقد يحتاج لجهد كبير للانطلاق نحو توحيد مؤسسات الدولة وإنهاء الوجود العسكري الأجنبي واستعادة الاستقرار والتغلب على كل العقبات التي تعترض طريق الحل السياسي حتى يمكن الاطمئنان إلى تنفيذ ما تم التخطيط له والوصول إلى الانتخابات الحاسمة قبل نهاية العام”.
ويقول إن الأمر الإيجابي في الاتفاق هو “كسر الجمود واستمرار البناء على وقف إطلاق النار الصامد منذ شهور”. ويؤكد أن السلطة الجديدة أو غيرها “لن تستطيع إنجاز المهمة بالنجاح الذي يأمله الجميع إلا بدعم دولي يستكمل ما بدأ بوقف إطلاق النار وبدء خطوات الحل السياسي باختيار السلطة الجديدة”.
كما يؤكد الكاتب على دور القوى الكبرى في “أن تتحمل مسؤولياتها بتوافق على تجميد صراعاتها حول ليبيا، وبقرارات دولية ملزمة بخروج كافة المقاتلين الأجانب وتصفية المليشيات وترحيل آلاف المرتزقة”.
ويعتقد عماد الدين بادي، من برنامج الشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي، أن الوضع استقر ظاهريا، “لكن الزخم الدبلوماسي ناتج عن تحفظ مؤقت على استمرار القتال وليس نتاج رغبة صادقة في التوصل إلى حلّ”، ويضيف أنه “بعد عشر سنوات من الثورة، أصبحت ليبيا دولة مشوهة أكثر مما كانت عليه في عهد القذافي”.
ويقول بادي لـ DW: “يخلط الكثيرون بين توق غالبية الليبيين للتغيير الإيجابي وبين النظر بإيجابية للسلطة التنفيذية الجديدة”، ويرى أنه “لا أحد يتعلم أي درس من آخر حكومة وحدة توسطت فيها الأمم المتحدة وتشكلت في عام 2015 والتي فشلت في توحيد البلاد بأي طريقة واستمر القتال ليبدو الأمر وكأن ليبيا تدور في دوائر مغلقة”.
طارق المجريسي، المحلل في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية والمتخصص في الشؤون الليبية لديه أيضاً تلك النظرة غير المتفائلة، إذ يقول: “الحقيقة، إننا نراوح في المكان نفسه، وما اختلف فقط هو سقوط بضع آلاف من الأرواح، ودمار يقدر بالمليارات وبلد في حالة يرثى لها فلا يوجد سبب حقيقي لكل هذا الاحتفال”.
الأمر نفسه تشير إليه آسيا الجعفري، الصحفية التي تراقب مواقع التواصل الاجتماعي لصالح المركز الليبي لحرية الصحافة في طرابلس، والتي ترى أن “الناس في الشارع لا يشعرون بفرح عارم لكن لأسباب مختلفة”. وتضيف أن “من لم يؤيد الثورة يقارن حاله اليوم بما كان عليه عندما كان القذافي في السلطة، ويقولون إن الثورة فشلت في تحقيق أي شيء بل إن ما تبعها كان أسوأ مما توقعوا.”
- توحيد الجيش:
يقول أحمد معيوف في مقال منشور له بصحيفتي عين ليبيا وبوابة الوسط الإلكترونيتين إن “نجاح الحكومة يكمن في تحديد أولوياتها وتقليص مهامها بأكبر قدر ممكن، ومحاولة دراسة الخطوات التي تحقق لها الوصول بالدولة إلى الانتخابات في وقتها”.
ويرى الكاتب أن “أهم هذه الأولويات هو توحيد الجيش لإنهاء إمكانية أي توتر مستقبلي، وإيجاد قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات، ودعم المفوضية العامة للانتخابات”.
ولتحقيق هذه الأولويات، يقترح الكاتب أن يشكّل المجلس حكومة مصغرة من خمسة وزراء يتولون حقائب الخارجية والدفاع والأمن والاقتصاد والعدل.
كما يرى أن الدولة في هذه المرحلة “لا تحتاج إلى وضع إستراتيجيات للتعليم والصحة والمرافق، بقدر ما تحتاج إلى إدارة هذه المرافق بالشكل الذي هي عليه وعدم التوسع في الإنفاق”.
إلا أنه يرى أن عملية “توحيد الجيش” ستكون من “الملفات الشائكة التي ستواجه الحكومة” في هذه المرحلة.
ويشاركه الرأي في ذلك المحلل السياسي عمرو الشوبكي في المصري اليوم، الذي يرى أن تشكيلة الحكومة اللبيبة الجديدة “تمتلك فرصا أكبر للنجاح دون أن يعنى ذلك زوال المخاطر والتحديات الجسيمة التي تواجهها”.
ويؤكد الكاتب أن الاتفاق الأخير أتى بعد “فشل ‘المعادلة الصفرية’ أو الخيار العسكري، سواء الذى سعى له الجيش الوطنى بمحاولة دخول طرابلس بالقوة المسلحة، أو الذى سعت له تركيا من خلال جلب ميليشيات سورية متطرفة إلى ليبيا والدعم غير المشروط لحكومة الوفاق، والنتيجة لا حفتر سيطر على مدن الغرب ومنها العاصمة، ولا الوفاق وتركيا سيطرا على مدن الشرق كما لوّحا أكثر من مرة”.
كما أن التحولات الإقليمية والدولية الراهنة قد تساعد بصورة أكبر في حل الصراع في ليبيا مقارنة بما كان عليه الحال في فترات سابقة، مثل المصالحة الخليجية وعودة مصر للتواصل مع أطراف كثيرة في الغرب الليبي، وأيضا وصول إدارة أمريكية جديدة للحكم تختلف مقاربتها للمنطقة عن الإدارة السابقة”.
لكنه يرى أنه “رغم هذه التحولات الإيجابية في البيئة الداخلية والإقليمية والدولية، إلا أنه سيبقى هناك التحدي الكبير وهو توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية”.
خامساً : تحركات الحكومة الجديدة :
عقب الانتهاء من اختيار السلطة الجديدة، بدأ دبيبة والمنفي تحركات متسارعة في ليبيا، في محاولة لحلحلة الأوضاع، والمساهمة في إنجاح المرحلة الانتقالية، وذلك على النحو التالي:
1- زيارات مكثفة في الشرق والغرب: توجّه المنفي في أولى جولاته داخل ليبيا إلى شرق البلاد، وقابل الشخصيات السياسية والعسكرية في الشرق، وعلى رأسها المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، وهي خطوة إيجابية للغاية، خاصة في ظل ما تحمله من رمزية لافتة بعدم تحييد الجيش من المشهد بإيعاز تركي، لا سيما وأن الجيش قد دعم السلطة التنفيذية الجديدة، كذلك فقد قابل المنفي رئيس البرلمان المستشار عقيلة صالح، رغم أن الأخير خسر الانتخابات، بيد أنه دعم بشكل كبير تلك السلطة، وهو مؤشر إيجابي آخر على تحقيق انتقال سلس للسلطة.
وعقب ذلك، توجه المنفي في 16 فبراير 2021 إلى طرابلس من أجل التأكيد على ضرورة توحيد المؤسسات الليبية، والتشاور حول تشكيل الحكومة الجديدة مع رئيس الحكومة عبدالحميد دبيبة، وقد دعا الأخير مصراتة للتصالح مع بقية الليبيين، في إشارة إلى تجاوز الخلاف المناطقي القائم منذ سنوات بين المدينة والعاصمة طرابلس، وكذلك بين شرق البلاد وغربها.
2- مرونة سياسية متبادلة: أحد أبرز ملامح المشهد الليبي الحالي، هو وجود مرونة سياسية بين الشخصيات التنفيذية الجديدة، والشخصيات النافذة في المشهد على مدار السنوات الماضية، وذلك في ظل التفاعل الإيجابي مع قائد الجيش الوطني الليبي ورئيس برلمان طبرق علاوة على المجلس الاستشاري وحكومة الوفاق. وفي ظل مخاوف من موقف وزير داخلية الوفاق فتحي باشاغا، خاصة لنفوذه الكبير غرب البلاد وهزيمته غير المتوقعة في انتخابات جنيف، فقد كشف رئيس الحكومة الجديدة عبدالحميد دبيبة في 13 فبراير 2021 أنه بصدد تكليف باشاغا بدور في الحكومة المرتقبة، وهو أمر متوقع، خاصة وأنهما ينتميان لنفس المدينة، وفي ظل سيطرة باشاغا على مليشيات مصراتة القوية وكذلك بعض مليشيات طرابلس، وخطورة استبعاده من المرحلة الانتقالية.
وفي المقابل، فإن ذلك يطرح تساؤلًا يتعلق بوزارة الدفاع في الحكومة الجديدة، ومن سيتولى المنصب، وموقفه من الجيش الوطني الليبي، خاصة وأن هناك ضغطًا تركيًا كبيرًا من أجل تحييد المشير حفتر عن المشهد بشكل تام، علاوة على عدم التعويل على الجيش الوطني في ظل استمرار أنقرة في بناء جيش موازٍ من المليشيات غرب البلاد، وهو ما يعد تحديًا واضحًا أمام السلطة التنفيذية الجديدة.
3- مساعٍ برلمانية للتصويت على منح الثقة: حسم مجلس النواب موقفه في 15 فبراير 2021 من مكان انعقاد جلسته المتعلقة بمنح الثقة للحكومة الجديدة، على أن تكون في مدينة سرت وسط البلاد، خاصة وأن المدينة لا يوجد بها مليشيات، وهي مدينة تتمتع بقبول من جانب أغلب القوى السياسية والعسكرية، ويأتي ذلك في ظل خلاف بين برلمان طبرق الداعي لعقد الجلسة في سرت، وبين نواب طرابلس المنشقين، والذين اجتمعوا في مدينة صبراتة غرب البلاد للتشاور بشأن التطورات الحالية، فيما يتوجب تشكيل الحكومة خلال 21 يومًا من تاريخ انتخابها من أجل تقديم التشكيل لمجلس النواب من أجل منحها الثقة، وفي حال تعذر ذلك يتم عرض التشكيل على ملتقى الحوار السياسي.
4- التعاطي الإيجابي مع القوى الخارجية: أكدت السلطة التنفيذية الجديدة أنها تعمل لصالح كافة الليبيين، كما أنها تفاعلت بشكل إيجابي مع القوى الخارجية المختلفة التي رحبت ودعمت نتائج جنيف، ومع ذلك فإن قدرة تلك السلطة على إدارة مرحلة انتقالية ناجحة مرهونة بشكل كبير بقدرتها على عدم الانحياز لأي طرف خارجي خاصة للدور التركي المشبوه، مع ضرورة اتخاذ موقف قوي من المرتزقة الأجانب، وكذلك من المليشيات من أجل تهيئة المناخ المناسب للاستحقاقات الانتخابية نهاية العام الجاري. كذلك فإن تلك التطورات الإيجابية مرهونة بشكل كبير بموقف إدارة بايدن من الوضع السياسي والعسكري الليبي لما لذلك من انعكاسات على المواقف الإقليمية والدولية من الصراع الليبي.
خاتمة:
وفي المجمل، فإن انتخاب سلطة تنفيذية جديدة لديها قبول واسع على المستوى المحلي وكذلك الإقليمي والدولي، يمثل مؤشرًا إيجابيًا يمكن البناء عليه لإنجاح المرحلة الانتقالية وصولًا إلى انتخابات عامة، بيد أن كل تلك التطورات لا تزال مرتبطة بشكل وثيق بمواجهة التحديات الداخلية المتعددة، والتي يأتي على رأسها توحيد مؤسسات البلاد، في ظل وجود برلمان طبرق وبرلمان طرابلس، ووجود جيش وطني شرق البلاد وجيش موازٍ من المليشيات غربها، علاوة على استمرار وجود حكومة مؤقتة مدعومة من الأطراف السياسية والعسكرية شرق البلاد جنبًا إلى جنب مع وجود حكومة الوفاق في الغرب.
كذلك فإن هناك ملفات حيوية تمثل عائقًا أمام إنجاح المرحلة الانتقالية، خاصة ما يتعلق بانتشار أكثر من 20 ألفًا من المرتزقة الأجانب أغلبهم مدعوم من تركيا جنبًا إلى جنب مع وجود مراكز قوى عسكرية تتمثل في انتشار المليشيات غرب البلاد، ومراكز قوى سياسية في ظل وجود شخصيات نافذة تسعى لعدم تهميشها من المشهد الليبي، علاوة على أدوار بعض القوى الخارجية والذي يعد مؤججًا للصراع، وبالتالي فإن المهمة بالتأكيد صعبة أمام السلطة الجديدة لكنها تملك العديد من المقومات التي يمكن أن تساعدها على تجاوز تلك المرحلة وتدشين مرحلة جديدة في ليبيا بعد عقدٍ كامل من العنف والصراع.