وكالة AAC الإخبارية
تختلف كل دولة عن الأخرى في طقوسها الخاصة التي توارثتها عبر الأجيال لتمارسها في استقبال هذا الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك والذي قال الله تعالى عنه في كتابه العزيز (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، سورة البقرة، الآية (185).
وإذا ما نظرنا للطقوس الدينية والعرفية التي يمارسها المسلمون في استقبال هذا الشهر المبارك نلاحظ أن هناك الكثير من أوجه التماثل إلا أنه أيضا يوجد تباين بحكم اختلاف جغرافية المكان الذي يجعل كل بقعة تنفرد بخصائص خاصة بها تميزها عمن سواها من العادات والتقاليد، وأما فيما يتعلق بممارسة طقوس العبادات فهي موضع الاتفاق الأغلبية بين جميع المجتمعات في العالم الإسلامي لأن أداء هذه المهام مبنية على كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الدين الأوحد لأمة محمد بن عبد الله بن عبد المطلب فخر آمنة بنت وهب خاتم الأنبياء والمرسلين.
وللحديث عن رمضان في جمهورية تشاد يتطلب منا تسليط الضوء على هذه الدولة الأفريقيّة وهذا يفرض علينا حتما العودة إلى الوراء ولو قليلا لنتناول باختصار وفي كلمات معدودات عن الخلفية (بانوراما) التاريخية وجغرافية المكان.
تقع تشاد في قلب القارة الأفريقيّة السمراء حيث تكالب القوى الدوليّة الكبرى بحكم أنّ أفريقيا سلّة غذاء العالم تحدّها ستّ دول ليبيا من الشّمال والسّودان من الشّرق نيجر ونيجيريا من الغرب ومن الجنوب أفريقيا الوسطى ومن الجنوب الغربي الكاميرون، عاصمتها قديما (فور لامي)، وحاليا أنجمينا وهي أكبر مدنها، تشاد يطلق عليها الجغرافيّون بأنّها دولة حبيسة كونها لا تطلّ على أي بحر أو محيط، وعدد السّكان 16,2 مليون نسمة، تتكوّن من 200 مجموعة إثنية 165 لهجة ولغة، والعملة الرسميّة للبلاد الفرنك سيفا، ولها لغتان رسميتان الفرنسيّة والعربيّة، الفرنسيّة بحكم الاستعمار وفرض ثقافة السّلطة الغالبة، والعربيّة بحكم الحضارة والثّقافة العربية المتأصّلة جذورها التّاريخيّة في هذا المجتمع الأفريقي بنكهة عربيّة حيث قامت أوّل مملكة عربيّة إسلاميّة فيها هي مملكة كانم في القرن الثّاني الهجري والثّامن الميلادي، وقعتْ تشاد تحت وطأة الاستعمار الفرنسي الذي سعى إلى طمس الهويّة الوطنيّة والقضاء على الدّين الإسلاميّ الذي يدين به أغلبيّة السّكان في تشاد حيث بلغ نسبته حوالي 85% وغرس التّنصير واستطاعتْ فرنسا إحتلال تشاد بحلول عام 1920 وضمّها إلى أفريقيا الإستوائيّة الفرنسيّة المتمثّلة في تشاد والغابون والكونغو الفرنسيّة وأفريقيا الوسطى (بانغي)، واستمر الاحتلال الفرنسي لتشاد أربعون عاماً، لكن ولرحمة الله الكريم بعباده وبجهود الجنود التّشاديين البواسل نالتْ تشاد إستقلالها من فرنسا في 11- أغسطس 1960م وبدأ الحلم في وجوهنا الشّاحبة مع بزوغ فجر الحريّة والاستقلال.
وقد اتصف هذا الشهر الفضيل بالروحانيات كثيرا حيث يستقبل المسلمون في تشاد شهر رمضان بابتهالات دينية والتكثيف من تلاوة القرآن الكريم أكثر من ذي قبل، ويبدأ المسلمون في تشاد استقبالهم لشهر رمضان المبارك بدء من شعبان ورجب ويعدونه صوما فهنالك من يصوم هذين الشهرين كاملا وهناك من يصوم جزء أو بضع أيام منهما استعدادا لهذا الشهر الكريم واستقبالا يليق بمقامه.
وقد تفننت الشعوب في أي دولة عن غيرها من الشعوب الأخرى في ممارستها لهذه الطقوسات التي لا تراها سوى في هذا الشهر المبارك فنرى مثلا في جمهورية مصر العربية بحكم إقامتي فيها لمدة خمس سنوات رأيتهم يبدؤون استقبالهم بتعليق الزينة وشراء (الفوانيس) وتفتح المساجد أكثر من أي وقت مضى وقراءة الأناشيد والابتهالات الدينية وقراءة القرآن الكريم، أما رمضان في تشاد فهو أمر أخر ذو رونق جميل لأن لها طابع خاص في استقبال رمضان كما مهدت في صدر حديثي، فبمجرد الإعلان عن أول أيام رمضان تسمع صوت الذخائر ثبوتا لهلال رمضان وهذا يعد تعبيرا عن الفرحة والبهجة بقدوم شهر الغفران والذي يفتح فيه باب الريان وهو باب في الجنة يدخل منه الصائمون كما جاء في الحديث النبوي الشريف: عَنْ سَهْلِ بنِ سَعدٍ رَضِيَ الله عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية عند البخاريّ: (فِي الجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّان، لا يَدْخُلُهُ إِلَّا الصَّائمُون).
إذا حل شهر رمضان أغلقت فيه أبواب النار وصفدت فيه الشياطين كما جاء في الحديث الشريف: إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت أو صفدت الشياطين.
قال الإمام ابن خزيمة: أراد بقوله: «وصفدت الشياطين» مردة الجن منهم، لا جميع الشياطين «إذ اسم الشياطين قد يقع على بعضهم». والله أعلم.
ولذلك يغتنم المسلمون في دولة تشاد من صوم شهر رمضان المبارك فرصة للتوبة والغفران عن الذنوب.
فترى المساجد عامرة بالذكر والابتهالات الدينية وتلاوة الذكر الحكيم على الدوام، والطرق على الدفوف، وترديد الأغاني احتفالا بقدوم شهر رمضان الكريم والطريف في الأمر أنّنا نعتمد على وسيلة الراديو فى سماع خبر تأكيد رؤية الهلال؛ للإعلان عن بداية شهر رمضان قديما وحديثا عبر قنوات التلفيزويون الناقلة للأخبار والبعض الأخر كان يعتمد طريقة أخرى هو الاتصال بأقاربه التي تسكن في الدول الأخرى ليستفسر عن صلاتهم للتراريح في أول ليلة رمضان خاصة الدول المتقدمة على تشاد في التوقيت الزمني مثل: (المملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية)، وغيرها من دول العالم لحسم الأمر مع نفسه وعلى طريقته الخاصة قبل الإعلان الرسمي لصيام رمضان المبارك في الدولة من قبل المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
كما تكثر الزيجات في شهر رمضان الفضيل كعادة شائعة لدى مواطني دولة تشاد، وتتحول المساجد فى رمضان إلى حلقات للدروس الدينية تتمثل أغلبها في السيرة النبوية وتفسير القرآن الكريم وتدريس بعض الكتب الدينية، كما أن معظم أيام شهر رمضان الفضيل ، يحرص فيها المسلمون في تشاد على حضور حلقات دراسية فى المساجد العامرة وتعطيرها بتلاوة الذكر الحكيم.
وتكون الشوارع والأسواق مكتظمة من الناس، فالجميع يستعد لشهر رمضان الكريم معا على قدم وساق فيبدؤون في تحضير الأطعمة الغذائية التى تمتاز بها تشاد كدولة أفريقية بنكهة عربية ومن بين تلك الأكلات الجميلة أكلة تسمى بـ(الحلو مر)، والتي تتكون من السكر والدقيق، الشعيرية.
ولكل مجتمع أكلته المفضلة في شهر رمضان الكريم
فالأكلة المفضلة لدى التشاديين على مائدة الإفطار فى رمضان نجد غالبا ما وعلى حد الإجماع تقريبا بضرورة وجود (المديدة) في صفرة الإفطار، فـ(المديدة)، تشبه (البليلة)، في صنعها فهناك من يصنعها من القمح والأخر من الفول السوداني، والأرز، الدخن، وغيرها، بالإضافة إلى المشروبات الأخرى مثل: (الأبري) والذي يصنع من الزنجبيل، والقرفة والقرنفل، والشطة، وذرة البربري، ومشروب أخر يسمى بـ(الأنقارا)، الذي يتكون من الكركديه، يقابله في مصر التمر الهندي من حيث استعماله الغالب في الأوساط الشعبية في شهر رمضان.
والمائدة الرمضانية في البيوت التشاديّة تكون مليئة بالأطعمة المتنوعة خاصة خلال شهر رمضان المبارك وتتكون من وجبات رسمية مثل : ( العصيدة، اللحم، والخبز، والأرز، والمعكرونة)، وتقابلها في مصر، (الفرخة، والبط والمحشي “كوسا”).
وأما فيما يتعلق بتلك المهنة المسماة بـ(المسحراتي) فهي حتى اللّحظة لا تزال قائمة وتمارس ضمن العادات والتقاليد المتأصلة جذورها في الثقافة التشاديّة حيث يمارس بضرب الدف طوال ليالي شهر رمضان كلّها ؛ لإيقاظ المسلمين لتناول السحور، والأمر الأخر الأكثر طرافة هو قيام الأطفال والشباب قبيل شهر رمضان المبارك بقليل وأثناء الصيام أيضا ببناء الكثير من المساجد الطينية بارتفاع غالبا ما لا يتجاوز مترا قد يزيد أو ينقص قليلا لأداء صلاة التراويح فيها تيمنا وتقليدا للكبار في ممارسة الشعائر الدينية التي تربى عليها المسلمون منذ الصغر كون تشاد الدولة الأفريقيّة المشتهرة بالتدين والمسماة ببلد (المليون حافظ )، للكتاب الله.
أداء صلاتي التراويح والتجهد أثناء شهر رمضان، يهتم كثيرا الشعب التّشادي المسلم كغيره من شعوب العالم الإسلامي في المنطقة بصلاة التراويح ويحافظ على أدائها بانتظام في هذا الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك تحديدا دون انقطاع إلا لعذر شرعي، واشتهر المسلمون في تشاد في ختم القرآن الكريم كاملا في الصلوات خلال شهر رمضان المبارك بدء بصلاة التراويح انتهاء بصلاة التهجد في معظم المساجد بالبلاد وساعد كثرة حفاظ القرآن الكريم من التشاديين على ذلك دون مشقة تذكر طوال شهر رمضان، شهر الغفران والعتق من النيران.