ليبيا

تعرف على آراء الخبراء في أسباب رفض مجلس النواب للميزانية

القاهرة – محمد فتحي الشريف

بعد توحيد الميزانية العامة لأول مرة منذ عام 2014، وتعافي إنتاج البلاد من النفط بعد رفع القوة القاهرة على الحقول النفطية واستئناف الإنتاج والتصدير بشكل منتظم في أكتوبر الماضي، ووصول إيرادات القطاع النفطي حتى منتصف مارس 2021 إلى ما يقرب من 8 مليارات دولار، تقدمت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة بالميزانية العامة للبلاد (2021) والتي رفضها مجلس النواب، إذ أرجع البرلمان سبب الاعتراض على الميزانية إلى حجم الإنفاق الكبير، وهو ما يفتح باب الفساد على مصراعيه وخاصة فيما يتعلق بمخصصات العلاج بالخارج بالإضافة إلى جوانب الإنفاق على الأمن الذي يتحكم فيه رئيس الحكومة.

ووضح مجلس النواب في تقرير رفض الميزانية، أن إنفاق ميزانية تصل لقرابة 100 مليار دينار ليبي ما يعادل (21.6 مليار دولار) خلال أقل من عام سيكون أثره سيئاً على الاقتصاد الوطني، مضيفا إنه تم إعداده دون مراعاة أهداف الحكومة الحقيقية، وظروفها الاقتصادية.

وأضاف “التقرير” إن مشروع الموازنة حددت فيه أقساط الدين العام بقيمة 4.7 مليار دينار ما يعادل (893 مليون دولار)، وأعطى لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة صلاحية استخدام هذه المبالغ، وهو إجراء غير صحيح.

واستند البرلمان إلى أن المادة الخامسة من المشروع التي تنص على جواز استخدام أي زيادة في العائدات النفطية من قبل مجلس الوزراء، وهو ما سيفتح الباب أمام الإضرار باحتياطات الدولة من العملة الصعبة.

لكن قانون الموازنة، وفق مجلس النواب، أتاح لوزارة المالية حق الصرف المباشر من مخصصات أي جهة ممولة من الخزينة العامة بعد موافقة مجلس الوزراء، ما سيعطي للحكومة حقا من مخصصات الجهات، والانحراف في قانون الميزانية.

وأشار تقرير مجلس النواب حول رفض الميزانية، إلى أن البند الخاص بالتصرف في ميزانية الطوارئ من قبل الحكومة، سيفتح الباب أمام توسيع الإنفاق العام، وبذلك يجب معالجة مخصصات هذا الباب، مبينا أن تخصيص مبلغ 1.2 مليار دينار كمتفرقات كبير جدا.

وكشف تقرير “النواب” عن خطر فتح أبواب للفساد في نفقات العلاج في الخارج، حيث خصص لتغطيتها مبلغ 705 ملايين دينار ليبي، معتبراً إياه مبلغاً كبيراً سيستنزف مخصصات وزارة الصحة بالحكومة.

ونوه التقرير إلى أن توسعا كبيرا حدث في ميزانيات بعض دواوين الوزارات، وأن هناك فروقات كبيرة بين وزارة وأخرى، مبيناً أن الحكومة الليبية أدرجت العديد من الجهات التي لا تتبع لها.

فيما أوصى مجلس النواب في تقريره حول الميزانية العامة بعدد من التوصيات المهمة منها، إعادة مشروع الموازنة للحكومة لمراجعتها، وتحقيق الهدف الأساسي من وضعها، وتحديد احتياجات كل القطاعات بخارطة تنفيذية متكاملة، وإيجاد مصادر تمويل بديلة النفط، وترشيد الإنفاق، وتقليص الباب الثاني لـ 9 مليارات، والثالث لـ 15 والرابع لـ 20 مليار دينار، وإلغاء الباب الخامس من الميزانية، وهو ميزانية الطوارئ، واستبداله ببند مستقل يسمى “احتياطي الميزانية” بمليار دينار.

السعيدي: الميزانية بشكلها الحالي سوف تخدم المليشيات

في البداية قال النائب علي السعيدي، إن جلسة مناقشة الميزانية في البرلمان شهدت بعض الاعتراضات خاصة في عدد من البنود التي على رأسها ما يخص التنمية، لأننا ندرك أن هذه الحكومة موجودة حتى 24 ديسمبر المقبل، وبالتالي فإن قضية إعادة الإعمار لن تشهد تحركات كبرى، ومن الصعب أن يحدث تطور نوعي في هذا الملف خلال الشهور القادمة.

وأضاف في تصريحات إن هناك أيضا مسميات كثيرة تحت سقف رئيس الوزراء، متمثلة في أجهزة أمنية تضم عددا كبيرا من المليشيات على رأسها مليشيات غنيوة الككلي، وعبدالرؤوف كاره، وغيرهما من المتطرفين والمجموعات الإرهابية.

 وأوضح أن كل هذه المليشيات أصبحت تابعة لرئيس الوزراء مباشرة، وليست تابعة لوزارة الداخلية ولا الدفاع، وهو ما كان مرفوضا بشكل تام من قبل النواب.

 وأشار إلى أن بند المزايا والسفريات وغيرها من أوجه الإنفاق أيضا مخصص له حوالي 12 مليار دينار ليبي، أي ما يعادل ثلث الميزانية.

وقال إن هناك ميزانية للطوارئ قدرت بحوالي 4.5 مليار، وهذا بند مرفوض تماما لأن ليبيا تحت بند الطوارئ منذ عام 2011 فلماذا الآن بالتحديد يوضع هذا الرقم الكبير في هذا البند دون تحديد دقيق لأوجه الإنفاق.

وأكد أن هذه الحكومة عمرها لا يتجاوز 9 أشهر وعليها أن تهتم ببعض الصيانات السريعة لتسيير حالات الناس وتوفير المحروقات والكهرباء والضغط على مصرف ليبيا المركزي لتوفير السيولة، هذا ما يجب أن تركز هذه الحكومة.

وتابع: “أيضا هناك بند أساسي وهو قضية الانتخابات، سبق وأن طلبت مفوضية الانتخابات مبلغا وقدره 50 مليون دينار ليبي، لكن الآن ارتفع المبلغ إلى 100 مليون، فهناك فساد واضح، ولابد من إعادة تبويب هذه الميزانية”.

عثمان يونس: الميزانية مبالغ فيها.. والبعض يربط بين إقرار الميزانية وبين تحديد شاغلي المناصب السيادية

من جانبه قال الخبير الاقتصادي الدكتور عثمان يونس، إن هناك ملاحظات فنية متعلقة بمشروع الميزانية أولا فيما يتعلق بالباب الأول الخاص بالمرتبات، والثاني الخاص بالمصروفات التسييرية.

وأضاف في تصريحات صحافية إنه بالنسبة للباب الأول قدر له في مشروع الميزانية حوالي 33 مليار دينار بزيادة حوالي 10 مليارات دينار عن مخصصات السنة الماضية وهي مخصصات زيادة كبيرة ولا يوجد في مذكرة المشروع ما يبرر هذه الزيادة.

وأوضح أنه إذا ما أخذنا الباب الأول والثاني لوجدنا أنهما يحصلان على أكثر من 50% من إيرادات النفط، المقدرة بحوالي 89 مليار دينار ذهبت إلى أبواب التسيير.

وأكد أنه وفقا لقانون التخطيط الصادر في ثمانينيات القرن الماضي، يشترط في إعداد الميزانية أن تمول الإيرادات النفطية 30% من أبواب التسيير، وباقي التمويلات تمول من الإيرادات السيادية.

وتساءل يونس عن كيفية القبول بمشروع ميزانية يتعارض مع قانون سارٍ ومعمول به في البلاد حتى الآن، ومولت فيه هذين البابين بأكثر من 50% من الإيرادات النفطية.

وقال إنه من بين الأخطاء الفنية أيضا أن الميزانية رصدت مبلغ 5 مليارات دينار لبند الطوارئ، وعادة ما يوضع هذا البند في الميزانية كبند عام لا يفصل، لأن يختص بمصروفات غير معروفة خلال فترة الإعداد، إلا أننا في هذا المشروع حددت أربعة مصارف لهذا الباب ومنها “الكهرباء، والمرتبات المتأخرة”.

 وأشار إلى أن هذه البنود كان يجب أن توزع في مكانها الصحيح ولا توضع ضمن مصارف الطوارئ، ولا يوجد أي مبرر لتجزئتها بهذا الشكل.

وإضافة لذلك وفق يونس، وضع بند خاص بالطوارئ بقيمة 2.7 مليار دينار ضمن باب الطوارئ، فكيف لنا أن نقبل هذا البند الذي يمثل خرقا فنيا للميزانية المقترحة.

وأوضح أن الملاحظات على الميزانية كبيرة جدا، من بينها أيضا أنها ميزانية ضخمة وهي أول ميزانية تقدم بهذا الرقم في الدولة الليبية، وهو ما يطرح تساؤلا كيف لحكومة فترة عملها لن تتعدى 8 أشهر أن تنفق هذا الكم الهائل من الأموال، في بلد يعاني من سوء الإدارة وصعوبة التواصل، والحاجة للإعمار.

وقال إن هذه الحكومة لن تستطيع أن تنفق هذه المبالغ في مصارفها الشرعية، إلا إذا اعتبرنا أنه يوجد فساد، واختلاسات ونهب، وهدر للمال العام، في هذه الحالة فقط يمكن لهذه الحكومة أن تنفق كل هذه الأموال خلال الفترة البسيطة المحددة لها.

ومن ناحية أخرى أكد يونس أن بعض مواد الميزانية مفخخة ولا يمكن تجاوزها بسهولة، والتي تضع تساؤلات وعلامات استفهام حول من وضع هذه الميزانية، منها على سبيل المثال المادة الخامسة، والتي أباحت إجراء مناقلات من داخل البنود الخاصة بالميزانية دون العودة لمجلس النواب، ونحن نعلم أن القانون المالي للدولة ولائحة الميزانية نظمت ذلك، كما أن كل مشروعات الميزانيات في السابق في الدولة الليبية كانت موادها تتوافق مع القانون المالي للدولة.

 وأشار إلى أن منح صلاحيات كبيرة للحكومة في الإنفاق تضع علامات استفهام أيضا عن هذا السبب.

 ولفت إلى أنه من بين المواد المفخخة أيضا المادة التاسعة عشرة، والتي نصت على أن أولوية صرف الميزانية تكون على الجانب الأمني.

وقال إن وجود الجانب الأمني على أولوية حكومة مدتها لن تتجاوز الأشهر يضع أيضا علامات استفهام لكيفية الإنفاق، وبالربط بين المادة الخامسة والتاسعة عشرة نجد أن هناك ترتيبا لنقل المال للإنفاق على الجانب الأمني.

 وأضاف إن ذلك يعني أن الحكومة تستبق وجود مشكلات أمنية في المستقبل القريب، وهو ما يعزز توفيرها لمخصصات مالية ضخمة لذلك.

وعن سبب رفض البرلمان للميزانية قال يونس إن الظاهر يقول إن السبب المعلن لوجود ملاحظات فنية عليها، قصر الوقت والإسراف المفرط في الأموال، إلا أن البعض يربط بين الميزانية وبين تحديد شاغلي المناصب السيادية في الدولة.

البحباح: الحل في التركيز على الميزانية التسييرية

في السياق ذاته قال الدبلوماسي السابق الدكتور رمضان البحباح إن رفض مجلس النواب للميزانية ليس اعتراضا على بنود صرف معينة باعتقادي بل هو مؤشر على أن هناك خلافا وعدم ثقة بين البرلمان والحكومة.

وأضاف “البحباح” قائلا: الحكومة تريد ممارسة مهامها كحكومة دائمة تلبي كافة الاستحقاقات وتريد إظهار نفسها بأنها قدمت للشعب ما عجزت عن تقديمه الحكومات السابقة ولو كان ذلك يؤدي إلى إهدار مبالغ وأرقام فلكية أثارت استغراب جل المهتمين لاسيما بالشأن المالي والاقتصادي، بيد أن مجلس النواب يرى حصول الحكومة على اعتماد الميزانية سيكون هناك تجاهل لهذا البرلمان الذي لن يكون له أي أهمية تذكر بخاصة أن بقاءه في ممارسة السلطة مرهون بالانتخابات القادمة والتي لا تتجاوز الثمانية أشهر، وبالتالي يرى أن فرصته تكمن في لي ذراع الحكومة حتى تفي بمجموعة استحقاقات لها علاقة باختيار المناصب السيادية التي ينطبق عليها نظام المحاصصة وربما رغبة بعض الأطراف الدفع بعناصر تتقاسم معها بعض المنافع في تلك المواقع.

وقال البحباح: باعتقادي أن الميزانية المطروحة ذهبت إلى أرقام كبيرة جدا لاسيما في ما يتعلق ببرامج التحول التي مثلت بؤرة الفساد والنهب خلال المرحلة الفبرايرية السابقة دون حسيب أو رقيب، ودون أية محاسبة للحكومات السابقة التي أهدرت مئات المليارات من العملات الصعبة ولم تعد على المواطن بأي فائدة تذكر، وقد وصفت من البعثة الأممية بأن ما حصل بشأن تلك الميزانيات عملية نهب ممنهجة لم يسبق لها مثيل.

وأشار إلى أن الصراع بين الحكومة والبرلمان يصب في هذا الاتجاه وهو التسابق نحو عمليات اختلاس هذه الأموال واستغلال الفرصة الأخيرة التي لن تتكرر، ضاربين بعرض الحائط مصلحة الشعب الذي يعاني من مشاكل معقدة في كافة مناحي الحياة الضرورية بدءا من السيولة والخدمات الأخرى.

وتابع قائلا: الحل في نظري يكمن في التركيز على الميزانية التسييرية في بابها الأول وميزانية محددة وواضحة لها علاقة ببند التشغيل لخدمات الطاقة بشقيها، غير ذلك ينبغي أن يتم تأجيل الميزانية الخاصة بالتحول خلال هذه الأشهر القادمة وترك الأمور الإستراتيجية لحكومة منتخبة ناتجة عن انتخابات عامة لرئاسة البلاد وسلطتها التشريعية، من هنا سيتوقف السجال بين الطرفين الجشعين.

واختتم الدبلوماسي السابق قائلا: للأسف الحكومة ذهبت إلى أشياء ليست من صلاحيتها بما فيها التوقيع على اتفاقيات مع دول لها علاقة بالصراع والتزمت معها في عقود انشاء واستكمال مشاريع كبرى سترهق الليبيين الذين يفتقدون حاجاتهم الضرورية، من هنا بدأ التجاوز لحيثية الحكومة ومهامها المؤقتة التي يفترض أن تنصب لحل المشاكل المستعجلة.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى