سهام السالمي – وكالة AAC الإخبارية
“رمضانكم مبروك” ، “سنين دايمه”، “يحييكم لأمثالو“
بهذه العبارات يهنئ التونسيون بعضهم البعض بحلول شهر الصيام.
يكتسي شهر رمضان في تونس كسائر البلدان الإسلامية طابعا خاصا في العادات و التقاليد و الأجواء الاحتفالية و ذلك على المستوى الديني و الروحي و كذلك الاجتماعي و الثقافي، يتجلي ذلك عند اقتراب موعد حلوله حيث تكون الاستعدادات حثيثة لاستقبال أيام معدودات ذات مذاق خاص و عادات فريدة.
الاستعدادات قبل شهر رمضان
تقوم العائلات التونسية بتحضير مستلزمات و متطلبات شهر رمضان كما جرت العادة منذ القِدم فتنشط المحلات التجارية و الأسواق لاقتناء بعض الاكلات او المواد المتعارف عليها او تحضيرها لاستهلاكها في شهر رمضان كـ “القهوة العربي” و هي القاسم المشترك تقريبا لكل الموائد الرمضانية و في جلّ البيوت التونسية و ذلك إثر الإفطار (ما يعبّر عنه في اللهجة التونسية بـ “شقّان الفطر”) مباشرة، حيث تفوح رائحة “القهوة العربي” التي يتمّ تحضيرها في البيت بالاعتماد على مكوّنات أساسية تتمثل في حبات تابل و حمص و قشور برتقال و أحيانا حبات شعير يتم تحميصها و طحنها مع حبات القهوة ثم يتمّ عند إعداد فنجان القهوة إضافة قطرات من ماء الزهر (زهر البرتقال) مما يضفي مذاقا و رائحة استثنائية تعتبر ميزة تونسية فريدة تميّز المائدة الرمضانية.
كما يتمّ أيضا، على اختلاف المدن و المحافظات، اعداد “البسيسة” و هي غذاء متكامل يعتمد على القمح او الشعير يضاف إليهم حسب الرغبة و العادة بعض انواع البقول الجافة كالعدس و الحمص و السمسم و كذلك الفواكه الجافة التي يتم طحنها مع بقية المكونات او اضافتها للبسيسة بعد خلطها بزيت الزيتون و السكر او العسل، لتزيينها، و يتمّ حسب الرغبة و العادات استهلاك طبق البسيسة سواءا عند الإفطار او السحور.
تقوم بعض العائلات، إلى الآن، بما يسمى “قصدرة” أواني الطبخ النحاسية (خاصة في مدينة القيروان) و ذلك تحضيرا لاستعمالها في شهر رمضان، كما يقوم البعض ايضا بإقتناء أواني جديدة لهذه المناسبة.
و يتم استعدادا لشهر رمضان تزيين و تنظيف و تجهيز مختلف المساجد و الصوامع و الأماكن التي يرتادها الصائمون سواءا في الليل أو النهار.
خلال شهر رمضان
“صحّه شْرِيبْتِك” او “صحّة بْرِيكتِك“
هما العبارتان التونسيتان الأكثر تداولا و استعمالا إثر الإفطار (شقان الفطر) لقول ما معناه تقبل الله صومكم. و في العبارتين إشارة لطبقان رئيسيان على مائدة الإفطار التونسية “الشُربة” و “البْرِيكْ” حيث يعتبر الأخير ميزة من مميزات شهر الصيام لا يغيب عن بيت تونسي او مائدة إفطار على امتداد شهر رمضان.
غير انه قد يستبدل احيانا بطبق “الطاجين” و هو كذلك من الأكلات التونسية المميزة يتم اعداده بعدة مكونات على اختلاف الأذواق و الرغبات لكن يبقى البيض و الجبن من مكوناته الأساسية و يمكن إضافة البقدونس، اللحم أو الدجاج، البطاطا او غيرها.
و لا تخلو مائدة السهرة الرمضانية الي جانب “القهوة العربي ” سالفة الذكر، من بعض الحلويات التي تعتبر عنصرا اساسيا في شهر رمضان كـ “الزلابية و المخارق” و كذلك “الصمصه” و غيرها من الحلويات التونسية المميزة.
في السحور، يتمّ حسب الجهات إعداد بعض الأكلات التقليدية كالعصيدة وهي عبارة عن دقيق و ماء و زيت او زبدة و عسل و كذلك طبق “المسفوف” الذي يعتمد على دقيق الكسكسي مع إضافة التمر و الرمان و بعض الفواكه الجافة كالفستق و اللوز و الزبيب و غيرها حسب الرغبة و العادات.
دينيا
يتجلى الاحتفاء بشهر القرآن في تنظيم مختلف حلقات الذكر وتفسير الأحاديث النبوية وإقامة الصلوات حيث تزدان الجوامع و المساجد و ساحاتها بالزينة و الأذكار و يتهافت المصلون لصلاة التراويح و مسابقات حفظ القرآن الكريم في أغلب المدن.
و قد جرت العادة ان تقام في تونس مسابقات دولية لحفظ القرآن تشارك فيها عديد الدول الإسلامية حيث تصبح أغلب الجوامع التونسية وأعرقها و أقدمها و أشهرها كجامع الزيتونة المعمور و جامع عقبة بن نافع بالقيروان قبلة لعديد الزوّار والمتسابقين، خاصة ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان حيث يتم ختم تلاوة القرآن الكريم.
إجتماعيا
دأب التونسيون منذ سنين على اتباع سنّة اجتماعية حميدة تكرّس أواصر التكافل والتضامن الاجتماعي والديني وقيم الإسلام الداعية الى التراحم و التعاون و التآزر، إذ يتمّ في مختلف المناطق و المدن تنظيم “موائد إفطار للصائمين” من ضعاف الحال والفقراء والمهاجرين وغيرهم، حيث يتم التطوّع بالجهد و المال و غيره كل حسب المستطاع لتوفير وجبات إفطار سواءا في فضاءات عامة او خاصة او حتى على قارعة الطريق لعابري السبيل.
تتميز ليالي الشهر الكريم بحركية كبيرة على المستويين الاجتماعي و الثقافي و ذلك من خلال تبادل الزيارات بين الأقارب و الاجوار و الأصدقاء، أو قضاء أجمل الأوقات في المقاهي و قاعات الشاي و دور الثقافة التي تخصص برامج فنية رمضانية لروّادها شأنها في ذلك شأن المهرجانات التي تنتظم للغرض في مختلف المدن و التي عادة ما يطلق عليها تسمية “مهرجان المدينة” حيث تقيم كل مدينة مهرجانا ليليا على امتداد اسبوع او اكثر لتقديم عروض موسيقية و فنية يغلب عليها عادة الطابع الموسيقى التراثي التونسي كـ “المالوف” و الموشحات و الانشاد الديني و غيره.
علاوة على تبادل الزيارات، يتم خلال شهر رمضان الاحتفال بمختلف المناسبات الأسرية و ذلك و بشكل خاص ليلتا النصف و السابع و العشرين منه، حيث تقام حفلات الخطوبة و الختان، و تمتاز الأخيرة، غالبا، بتنظيم سهرات تحييها فرق إنشاد ديني أو صوفي متعارف على تسميتها في تونس باسم “السُلامِيَة.
في نهاية شهر رمضان
يتسارع في العشر الأواخر من الشهر الكريم النسق التجاري بشكل خاص استعدادا لاستقبال عيد الفطر، فتفتح المحلات التجارية أبوابها لساعات متأخرة من الليل حيث يتهافت التونسيون على شراء ملابس و ألعاب العيد و اعداد و إقتناء الحلويات حيث تتميز الحلويات التونسية بتنوعها و جودتها من ذلك “كعك الورقة” الذي يعتبر ميزة من مميزات مدينة زغوان التونسية و كذلك “المقروض” الذي يميز مدينة القيروان وغيرها من المرطبات كالبقلاوة التي كان يتم إعدادها في البيوت منذ دخول النصف الثاني من شهر رمضان وذلك لتقديمها للضيوف والزائرين أيام العيد.
رغم التطوّر والتغييرات التي طرأت على العادات و التقاليد المجتمعية المتوارثة و تسارع نسق الحياة و فرض عادات استهلاكية جديدة و مستحدثة لا يزال المجتمع التونسي محافظا الي حدّ ما على الطابع التقليدي و القديم لاستقبال و إحياء شهر رمضان كمناسبة دينية واجتماعية وروحية عميقة ومهمة لابد من الاحتفاء بها على أحسن وجه.