تظل القوات المسلحة العربية الليبية، الحصن المنيع للشعب الليبي ضد التحديات الأمنية والإنسانية وأيضا الاجتماعية، رغم جميع الكوارث والتحديات التي عصفت بالمدن الليبية منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي، الذي تحل اليوم الذكرى الحادية عشر لرحيله.
وعانت ليبيا بعد تلك الأحداث الدامية والكارثية في عام 2011 وحاصرتها الفوضى وطاردها العنف ونهشها الإرهاب، إلا أن الجيش استطاع أن يعيد التوازن والسيطرة على أغلب التراب الليبي، وقضى على جميع خطط التآمر وحاصر عناصر الإرهاب ودك معاقلة وقطع خطوط الإمداد له.
وتحل اليوم الخميس الذكرى الحادية عشر لمقتل العقيد الليبي معمر القذافي في ظروف وتفاصيل لا تزال ضبابية، وما زال الجيش الوطني يواصل مسيرته في حماية الأمن القومي وردع المعتدين والخونة، بعد أن أطلق عدة عمليات لتحرير ليبيا من الإرهاب والميليشيات المسلحة أبرزها عملية الكرامة، فضلا عن مشاركته في تحرير مدينة سرت وبنغازي ودرنة، بجانب العملية الكبرى التي خاضها لتحرير الجنوب من العناصر الإرهابية وضبط المنظومة الأمنية على الحدود الجنوبية.
حالة الفوضى العارمة والخلل الأمني الذي انتشر كالنار في الهشيم منذ سقوط نظام العقيد، لم يردعه ويوقفه إلا الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، الذي عمل على إعادة تشكيل وبناء القوات المسلحة والوحدات العسكرية في وقت قياسي وبكفاءة عالية تواكب التحديات القائمة وتردعمها وتعيد الأمن والآمان للمواطنين.
ومن أبرز العمليات التي خاضها الجيش في مدينة درنة، في شهر مايو من عام 2014، حيث بدأت العملية العسكرية وسط تحليق الطيران العسكري فوق المدينة، وسط مساندة شعبية وانطلاق تظاهرات واسعة منددة بالإرهاب وداعية للبناء في ليبيا.
وحظيت معركة “الكرامة” بأكبر دعم سياسي ودعم المجالس العسكرية وبعض الوزراء، وقيادات قبلية في ليبيا.
وفي أواخر 2016، شارك الجيش في تحرير مدينة سرت من تنظيم الدولة الإسلامية، وفي منتصف 2017، أعلن المشير خليفة حفتر، عن “تحرير بنغازي من الإرهابيين” والسيطرة على الوضع الأمني في الموانئ النفطية وتحريرها من الجماعات الإرهابي بعد عملية «البرق الخاطف».
وأكد المشير خلفية حفتر، أن “النصر تحقق بعد كفاح متواصل ضد الإرهاب وأعوانه دام أكثر من ثلاث سنوات متتالية”.
ولفت إلى أن “هذا النصر يأتي ليعيش المواطن كريما وسيدا”، مضيفا أن الجيش “قدّم قوافل شهداء منتصبي القامة مرفوعي الرأس في ساحات الشرف”، وأنه حان الوقت لـ”تدخل بنغازي عهدا جديدا من الأمن والسلام، والتصالح والوئام، والبناء والعمار، والعودة إلى الديار”.
كما أصدرت وزارة الدفاع بالحكومة الليبية المؤقتة، وقتها، بيانا هنأت فيه بالانتصار، متحدثة عن أنه “في لحظات النصر العظيم وقمة فرحة أهالي مدينة بنغازي الباسلة نشارككم فرحتكم، ونستذكر الشهداء الذين دفعوا أرواحهم فداءًا للوطن ومقارعة الإرهاب المتطرف، ونستمطر أشابيب الرحمة والغفران على أرواحهم”.
ويخوض الجيش الليبي، حربا منذ عام 2014 ضد مجموعات إسلامية مسلحة في بنغازي، بعضها مرتبط بجماعات مصنفة دوليا على أنها إرهابية كأنصار الشريعة، والآخر يعلن عن أنه معتدل كسرايا الدفاع عن بنغازي.
وقال المشير خليفة حفتر، إن المواطنين يدفعون ثمن إحفاقات الاتفاقات والمبادرات المحلية والدولية.
وأضاف حفتر، في أول كلمة له عقب المظاهرات التي انطلقت في العديد من المدن الليبية مطالبة برحيل كافة الأجسام السياسية، قائلا: “إننا نخادع أنفسنا إن اعتبرنا أن هذه المسيرة الشاقة قد انتهت مع هزيمة الإرهاب”.
وتابع في فعالية احتفالية بمدينة درنة في ذكرى تحريرها من الإرهاب، إن الأمور تأزمت وتعطلت كل المسارات الرامية إلى حل شامل، ليدفع المواطن ثمن الإخفاقات المتلاحقة التي آلت إليها كل الاتفاقات والمبادرات المحلية والدولية.
وأوضح أن “منْ يصنع الخلاص هو الشعب وحده دون سواه، وأنه لا بد من أن يدرك الشعب أن معاناته لن يشعر بها سواه وأنه آن الأوان ليتولى زمام أمره بنفسه، وأن العصاة السحرية الوحيدة القادرة على قلب الموازين لصالحه هي إرادته الحرة”.
وأجرى الجيش الوطني الليبي، في شهر أغسطس الماضي، مناورة بالذخيرة الحية بمدينة بنغازي، تحاكي سيناريو دخول إرهابيين من الحدود وسيطرتهم على بعض المدن.
وشاركت في المناورة، شتى أفرع الجيش الوطني الليبي، وشملت مخططا للقضاء على 1000 إرهابي داخل إحدى المدن.
وحضر المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش المناورة، وألقى كلمة قال فيها: “لا يمكـن أن نطمئن ما دام هناك إرهاب في البلاد، نحن والإرهـاب لا يمكـن أن نتجاور، ولا بد أن يكون هناك عزم للتخلص من الإرهاب في الفترة المقبلة”.
ويشير حفتر، إلى أن الميليشيات المنتشرة بكثافة في غربي ليبيا، وتتحكم في العاصمة طرابلس ومؤسسات الدولة والمرافق العامة هناك منذ عام 2014، وكذلك الميليشيات والعصابات التي تتمركز في الجنوب، مستغلة مساحته الصحراوية الشاسعة.
أعلن الجيش الليبي، في شهر مايو الماضي، عن إطلاق عملية عسكرية جنوب البلاد، لملاحقة الجماعات الإرهابية التي تتخذ من هذه المناطق معقلا لها ومجالا لنشاطها وتحركاتها، وتهدّد استقرار وأمن البلاد.
وقال مدير إدارة التوجيه المعنوي بالقيادة العامة للجيش، اللواء خالد المحجوب، إن هذه العملية العسكرية البريّة المدعومة بغطاء جوّي، ستشمل كافة مناطق الجنوب، مشيرا إلى أن هذا القرار جاء بعد رصد تحركات مشبوهة لبقايا الجماعات الإرهابية بالمنطقة.
وهذه العملية العسكرية، ليست الأولى التي يطلقها الجيش الليبي جنوب البلاد، حيث سبق وأن أطلق عمليات مماثلة، نجح خلالها في القضاء على عدد من عناصر تنظيم داعش وقيادات تنظيم القاعدة.
ومنذ سنوات، تبذل قوات الجيش الليبي جهودا كبيرة لبسط سلطتها على منطقة الجنوب الليبي الشاسعة وإحكام السيطرة الأمنية، لكنها تواجه تحديات كبيرة من الفصائل المسلحة الأجنبية التابعة للمعارضة التشادية والسودانية، وكذلك من بقايا تنظيمي داعش القاعدة وداعش، التي تحاول كلها الحفاظ على ما اكتسبته من نفوذ بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي، في ظل ضعف وحتى غياب الرقابة الأمنية فيها وامتدادها إلى الدول المجاورة.
وتمكن الجيش الوطني أيضا من القضاء على عناصر خلية لتنظيم “داعش” الإرهابي، وذلك في معركة بمدينة القطرون الواقعة جنوب غرب البلاد.
وتشهد منطقة القطرون نشاطًا للعناصر الإرهابية والمتطرفة، حيث ينفذ الجيش الليبي عمليات مستمرة هناك لاستعادة الأمن والاستقرار للمنطقة، كان أبرزها التي وقعت نهاية يناير الماضي، واستمرت 44 ساعة.
وتحول الجنوب الليبي خلال السنوات العشر الأخيرة إلى ممر “مهم” لتهريب الأسلحة وتجارة البشر ومأوى لبعض المجموعات الإرهابية والإجرامية، كما أنه بات أحد أهم منافذ توريد الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
المحلل السياسي الليبي، سلطان الباروني، يقول إن الجيش الوطني الليبي هو النواة الأساسية التي يجب أن يتم البناء عليها لتأسيس جيش منظم قادر على صد أي عدوان ضد ليبيا.
وعن سبب استقرار شرق ليبيا مقارنة ببقية المناطق، يرى أن هذا “أمر طبيعي لوجود قوة مسلحة واحدة، عكس وجود ميليشيات مرتزقة متناحرة في الغرب، لا يهمها سوى السلطة والمال”.
وفي تقدير المحلل السياسي، سامر العذابي، فإن هذه المناورات “بيَّنت استشعار القيادة العسكرية للخطر الدائر حولنا”.
وأوضح أن حظر توريد السلاح المفروض على الجيش “أمر مرفوض تماما؛ فكل الأحداث كشفت من يقاتل من أجل ليبيا ومن يقاتل لنفسه”.
ورغم هذا الحظر، فإن المناورات دلت على “أن الجيش يتمتع بدرجة عالية من الاحترافية والجهوزية، وأنه الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه؛ كونه صاحب عقيدة قتالية هي حماية الوطن”.
قال الخبير الأمني العميد محمد الرجباني، إن الجيش يرصد بشكل مستمر نشاط الإرهابيين الذين يستغلون التضاريس الصعبة ونجح في إحباط مخططهم.
وشدد الرجباني، على أن الخطر كبير على الجنوب الذي يعاني من مشكلات كثيرة، معربًا عن ثقته في قدرة القوات المسلحة على مواجهة هذا التحدي الذي تحتاج فيه إلى دعم من الدول العربية.