صدر مؤخرا عن مركز دراسات الوحدة العربية كتاب جديد للمؤلفة وفاء صندي، بعنوان “داعش.. شرعنة التوحش”.
يسعى هذا الكتاب، الذي يقع في 456 صفحة، الى تشخيص ظاهرة تنظيم “داعش” وتفكيك ايديولوجيته الفكرية وتحولاته التاريخية وأيضا أوجه الاختلاف بينه وبين التنظيم الام “القاعدة”. ويقدم تحليلا عميقا لأسباب ودوافع اعتناق بعض الأشخاص، بما فيهم النساء والأطفال، للفكر المتطرف الذي يؤدي الى العنف وأسباب التحاقهم بالتنظيمات الإرهابية.
بعد محاولة تحديد الأسباب والدوافع وراء اعتناق الايديولوجية المتشددة فكرا وسلوكا، يستعرض الكتاب سبل مواجهة هذه الظاهرة التي ترى المؤلفة انها تحتاج الى الكثير من الاجتهاد والبحث والعمل الدؤوب من اجل تفكيك كافة ابعادها وجوانبها المتداخلة.
وقد خصص الكتاب في قسمه الأخير لدراسة مستقبل تنظيم “الدولة الإسلامية” بعد خسارته الكاملة للأرض وبعد مقتل زعميه “أبو بكر البغدادي”. وتوصل الكتاب الى ان التنظيم صحيح انهزم “عسكريا”، لكنه لم يهزم بعد فكريا وايديولوجيا. وصحيح انه خسر معركة الأرض، ولكنه لم يخسر بعض معركة العقول. وطالما الأسباب التي أدت الى ظهور التنظيم لاتزال قائمة، فإنه بالتأكيد سيظل قائما هو الاخر ومستمرا بشكل او بأخر.
ترى المؤلفة انه إذا كانت ظاهرة المقاتلين الأجانب ليست جديدة، بحيث ان جذورها تمتد إلى القرن الماضي، الا أن جبهة سوريا تفوقت على كافة الجبهات التي تشكلت كساحات لاجتذاب المقاتلين الأجانب سابقا سواء في أفغانستان أو البوسنة أو العراق.
فقد شكلت سوريا حالة استثنائية من حيث نوعية المقاتلين واعدادهم. واعتبرت ان التنظيم الذي أطلق على نفسه، في 2014م، إسم “الدولة الإسلامية” استطاع أن يجند مقاتلين تختلف خلفياتهم الاجتماعية والثقافية والسياسية والتعليمية، عن كل المجندين في التنظيمات الارهابية المختلفة. وهو بذلك شكل حالة قائمة بذاتها، يصعب الحكم عليها او تقييمها بناء على نماذج سابقة. فقدرته على تطوير خطاب تواصلي إلكتروني جاذب، استخدمه للترويج لنفسه والتسويق لأطروحاته، مع تنوع خطابه تبعا لكل فئة يستهدفها، وتواجده في كل البيئات التي يأنس فيها وجود بيئة خصبة لكسب أعضاء ومناصرين، وتركيزه على استقطاب كوادر نوعية مؤهلة على المستوى العسكري والإعلامي والتقني، كلها خصائص تشكل “سابقة” في عهد تنظيم “الدولة الإسلامية”.
تؤكد المؤلفة ان ليس هناك نمطا موحدا، ولا خلفية اجتماعية أو اقتصادية مشتركة، ولا حتى تربية دينية متشابهة بين الأفراد الذين انجذبوا بخطابات التنظيمات الارهابية وقرروا الالتحاق بصفوفها والخضوع لأحكامها المتشددة. وما يقوم به الكتاب هو دراسة بعض الأنماط من المقاتلين الأجانب، بما في ذلك النساء والأطفال والذئاب المنفردة، ومحاولة تحليل ما هو متوفر عنها من معلومات تخص تكوينها النفسي، تنشئتها الاجتماعية، ظروفها الاقتصادية، مستواها التعليمي، البيئة التي خرجت منها، مشاكل الهوية لديها، قناعاتها الدينية.. الخ. وقد توصلت المؤلفة الى نتائج غير متوقعة.
يشكل الكتاب اجتهادا بحثيا شبه ميداني، تم الاعتماد فيه على لغة سلسة تحاكي مجموع الأسئلة التي راودت وتراود القارئ العادي فيما يتعلق بظاهرة عالمية (ظاهرة تنظيم “داعش”) استطاعت ان تربك صناع القرار وأن تتصدر الصفحات الأولى لكبريات الجرائد، وان تشغل الرأي العام العالمي منذ 2014م الى الأن. وقد اعتمدت فيه المؤلفة على المنهج التحليلي للأحداث في سياقها التاريخي، ثم المنهج المقارن لتبيان أوجه الاختلاف والتشابه والعلاقات القائمة بين تنظيم الدولة والقاعدة والظواهر المتطرفة العنيفة التي شهدها العالم في وقت سابق.
وبنفس المنهج التحليلي تمت دراسة حالات ونماذج مختلفة من المقاتلين الأجانب – بمن فيهم النساء والأطفال والذئاب المنفردة- دراسة سوسيولوجية مع محاولة تحديد الابعاد النفسية للظاهرة الإرهابية، وذلك للخروج من الإطار النظري الذي يحصر ظاهرة الإرهاب في قوالب نمطية محددة، إلى إطار واقعي يلامس الأحداث والشخصيات ويتفاعل معها بالاستشهاد بتجاربها وظروفها الاجتماعية ودوافعها الشخصية، وذلك بهدف فهم الظاهرة من الداخل وليس فقط الحكم عليها من الخارج أو من خلال بعض الأحكام التي باتت مستهلَكة، بل تجاوزتها الأحداث والظروف.
اعتمدت المؤلفة في هذا الكتاب على خطة تضمنت خمسة أقسام، وعشرة فصول. لم تستعن بخاتمة للكتاب، بحيث سعيت في آخر كل قسم من الأقسام الأربعة الأولى الى تلخيص النتائج وأدرجها تباعًا، حتى لا يحدث خلط عند القارئ، خاصة وأن كل باب من الكتاب يتحدَّث عن بُعد أو ظاهرة قائمة بذاتها. أما القسم الخامس فقد خصصته لعرض مستقبل تنظيم “داعش” بعد خسارته للأرض التي كان يمارس عليها نفوذه. مشيرة الى ان الحديث عن هزيمة التنظيم، هو ادعاء بعيد جدًا عن الواقع، بحيث ترى أن التنظيم لا يزال قائمًا ويتمدد وأن تهديده لن ينتهي بسقوط دولته المزعومة.
يذكر ان المؤلفة وفاء صندي سبق وصدر لها كتاب “الرهان الوطني” (2016) عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وكتاب “غياب الرؤية الحضارية في الحراك الثوري العربي” (2014) عن منتدى المعارف – بيروت.