بعد مرور أكثر من عشر سنوات على أحداث السابع عشر من فبراير 2011 ما يسمى بالأدبيات السياسية والعسكرية “العشرية السوداء ” وسقوط الدولة الليبية بمؤسساتها نتيجة ضربات حلف شمال الأطلسي “الناتو”، بدأت الميليشيات المسلحة في الظهور والتشكل في مرحلة الانتفاضة ضد نظام العقيد الراحل معمر القذافي، الذي حكم البلاد لأكثر من 40 عاما وقويت شوكتها لدرجة أن دور الحكومات المركزية التي حكمت من العاصمة طرابلس بات لا يلحظ في كل أرجاء ليبيا.
وبحلول عام 2014 تغير المشهد في الشرق الليبي مع ظهور قائد عسكري يصفة الكثيرون بالعبقرية هو المشير خليفة حفتر، الذي غير مجرى الأحداث خاصة بعد أن عينه البرلمان المنتخب الجديد قائداً للجيش وفوضه بالحرب على الميليشيات المسلحة والعناصر المتطرفة .
انتفاضة مشروعة وحقوق مسلوبة
انتفض الليبيون، ضد سطوة تلك الميليشيات ولكنهم وجدوا من يساندهم من أبناء الجيش الوطني الليبي، الذي استطاع وقائده المشير خليفة حفتر أن يطهر مدينة بنغازي وسرت ورأس لانوف وأجدابيا وغيرها من مدن الشرق الليبي.
وبات الجيش أحد أهم الفاعلين على المسرح السياسي والأمني والعسكري في البلاد بعد أن استكمل حربة ضد الميليشيات في الجنوب وحررها من تواجدها وبات يسطير على حوالى 80% من الأرض الليبية الآن .
الجيش الليبي لم يكتف بالتطهير والقضاء على تلك الجماعات المسلحة بل بدأ مرحلة إنشاء الدولة من مؤسسات حكومية وأمنية وخدمية، فضلا عن توفير الأمن والأمان الذي يشعر به كل مواطن يعيش بالمناطق المحررة.
الصورة تبدو مختلفة في الغرب الليبي، الذي يفتقد الأمن والأمان بسبب سطوة الميليشيات التى تؤكد عدد من المصادر أنها تتجاوز 300 ميليشيا وتتخذ السكان دروعا بشرية وتشير التقارير الدولية إلى أن تلك المجموعات المسلحة بدأت بالسيطرة على المراكز المالية في العاصمة طرابلس وتحولت إلى ما يشبه التشكيلات العصابية التى تفرض ضرائب وإتاوات على الشركات والأفراد.
- الميليشيات دخلت مرحلة “المافيا” مستغلة حاجة السياسيين لها في مواجهة خصومهم فأصبح الشباب المسلحون الذين برزوا عام 2012 كـ”مجرمين تقليدين” أشخاصا يظهرون بكل “أناقة” مع استخدام العنف بـ”شكل منظم” في الشارع.
- أصبح في غرب ليبيا نظام تعايش مع العنف حيث نمت وقويت واستفحلت الجماعات المسلحة عبر الهيمنة على أصول الدولة أو الأعمال التجارية، وتفاقم الأمر مع دعم مصرف ليبيا المركزي لها.
- لم يعد المال كافيا إذ تبحث المليشيات عن الثروة والسلطة فدخلت في منظومتي الداخلية والدفاع في الغرب وغيرها من المؤسسات المدنية والتجارية.
خريطة الميليشيات في الغرب
خريطة الميليشيات في طرابلس معقدة الفهم والتفكيك خصوصاً صاحبة التركيبة الجهوية التي تنحدر من مدينة أو قبيلة واحدة وتخضع العاصمة لسيطرة عدد كبير من المليشيات المقننة، فالعاصمة طرابلس حيث مقر السلطة التنفيذية الرسمية ممثلة في المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية التي انتهت صلاحية الاتفاق السياسي الذي جاءت بموجبه تضم نحو 30 مليشيا تجمعت غالبيتها في تحالفات تحت مسميات أجهزة أمنية لإضفاء الشرعية على وجودها.
وتعد مليشيا الردع- الذي يقودها عبدالرؤوف كاره- أبرز مليشيات طرابلس وتعرف تلك المليشيا باسم قوات الردع المشتركة وتحمل توجها سلفيا وتتولى مهام أقرب إلى الشرطة ووحدات الأمن الداخلي وتتمركز بصورة أساسية وسط العاصمة، حيث تسيطر على أكبر قاعدة عسكرية جوية بالمنطقة الغربية وهي معيتيقة بجانب منطقة سوق الجمعة.
وترتبط تلك الميليشيا بعلاقات قوية مع حركة النهضة (إخوان تونس) كما أنها تعد المستقبل والموزع الرئيسي للأسلحة التي تأتي لميليشيات غرب ليبيا في طرابلس من تركيا.
تحول اسم تلك المليشيا إلى جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والتطرف وهي ترتبط بعلاقات وثيقة برئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي.
كما يأتي في مقدمة الميليشيات ذات التأثير في طرابلس ميليشيا النواصي المعروفة باسم القوة الثامنة والتي تضم بين أعضائها أعداداً كبيرة من منتمين سابقين للجماعة الليبية المقاتلة وتتمركز بشكل أساسي وسط العاصمة، وهي مجموعات مسلحة تأخذ طابعاً قبلياً أو عائليا حيث تتشكل بالأساس من تحالف لثلاث عائلات كبيرة تقطن في منطقة سوق الجمعة شمالي عين زارة ومناطق الأبراج السكنية الكبرىوهي قدورة والزقوزي وأبو ذراع.
كما تشرف ميليشيا النواصي على تأمين مصارف طرابلس ومينائها وقاعدة أبو ستة البحرية ويقودها مصطفى قدور، الذي يشغل أيضا منصب نائب رئيس جهاز المخابرات الليبية.
ويأتي في مقدمة المجموعات المسلحة في طرابلس ما يعرف بجهاز دعم الاستقرار، وهو جهاز أمني تأسس بقرار من المجلس الرئاسي في 11 يناير 2021 ومهمته حماية مؤسسات الدولة والمقرات والمسئولين ويتكون من تجمع 9 مليشيات ويتولى رئاسته عبد الغني الككلي الشهير باغينوة، المدعوم من رئيس حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية عبد الحميد الدبيبة.
ويعد أبرز المليشيات المنطوية تحت جهاز دعم الاستقرار كتيبة «ثوار طرابلس» التي تضم نحو 1500 مقاتل ويقودها هيثم التاجوري.
كما يبرز في العاصمة طرابلس اسم ميليشيا البقرة المعروفة في الوقت الراهن باسم الكتيبة 51 مشاة والتي يتزعمها كل من بشير خلف الله المعروف باسم بشير البقرة وعبد العاطي الدربازي أحد قادة تنظيم القاعدة السابقين وتتمركز بشكل رئيسي في معسكر رحبة الدروع الواقع جنوب تاجوراء وينتمي كثير من منتسبيها إلى جماعة الإخوان المسلمين.
ونظراً لتواجد الدربازي بين قادتها يجعل الكثير من العناصر التي كانت تنطوي في مجموعات مسلحة عقائدية في شرق ليبيا مثل مجلس شوري ثوار بنغازي ومجلس شورى مجاهدي درنة وأنصار الشريعة وكتائب شهداء بوسليم ينضمون إليها.
ويعلن قادة مليشيا الكتيبة 51 مشاة المنطوية تحت رئاسة الأركان دعمهم للدبيبة في الخلاف القائم بينه وبين فتحي باشاغا، رئيس الحكومة المكلف من البرلمان.
ميليشيات مصراتة
في مقابل مليشيات العاصمة طرابلس، هناك ميليشيات مصراتة التي تعد القوة المسلحة الأكبر في مدن الغرب الليبي، حيث تمتلك أكثر من 17 ألف مقاتل وآلاف العربات المسلحة ومئات الدبابات وعشرات الطائرات الحربية.
وتمتد منطقة نفوذ هذه المليشيات من مدينة السدادة شرقي مصراتة بحوالي 80 كيلومتر إلى مدخل العاصمة طرابلس تحديدا مدينة القرابللي ويتوزع ولاء تلك المليشيات بين الدبيبة وباشاغا خاصة وأن الرجلين من أبناء المدينة.
ويعد من أبرز مليشيات مصراتة وأهمها ميليشيا المرابطين و166 التي كان يدعم قائدها المقال محمد الحصان حكومة باشاغا وميليشيا حطين وكتيبة المرسي التي تعد أبرز الداعمين لباشاغا أيضا وميليشيا الصمود التي يقودها صلاح بادي- الطيار السابق- المعروف بقربه من جماعة الإخوان والذي يتولى التنسيق المباشر مع تركيا ومليشيا الحلبوص التي ينحدر منها رئيس الأركان الحالي لقوات غرب ليبيا محمد الحداد و”مليشيا لواء المحجوب” و”مليشيا القوة الثالثة” و”مليشيا شريخان”، و”مليشيا حطين” التي تصطف أيضا خلف باشاغا.
ميليشيات الزنتان
ميليشيات الزنتان التي يقودها رئيس المجلس العسكري في مدينة الزنتان ورئيس المخابرات العسكرية المقال مؤخرا أسامة الجويلي، حيث تنشط غرب مدينة الزاية إلى الحدود مع تونس، المساندة في الوقت الراهن، إلى رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا وهي مليشيا يغلب عليها الطابع الجهوي، حيث تعد ممثلة للمدينة التي تنشط بها وهي الزنتان.
ميليشيات الزاوية
تضم مدينة الزاوية عدداً من المليشيات ذات الأعداد القليلة لمنتسبيها وهو ما دفعها إلى التوحد في تحالف كبير أطلق عليه اسم “البحث الجنائي” ضم ميليشيا غرفة الثوار والنصر والفار والأبح والسلوقي والبيدجا بالإضافة إلى ميليشيا مدينة صبراتة بقيادة أحمد الدباشي.
ميليشيا الأمازيغ
ميليشيا الأمازيغ هي عبارة عن جماعات مسلحة ليس لها نفوذ خارج مناطقها وقليلة العدد والعتاد كالتي تتواجد في الجبل الغربي وأكبرها في مدن نالوت وجادو بالإضافة لمدينة زوارة الساحلية القريبة من حدود تونس وأسلحتها خفيفة وتطلق على نفسها “القوة الوطنية المتحركة”.
أزمة قائمة.. وسؤال مشروع
يتساءل الجميع عن موقف الحكومة المنتهية الولاية برئاسة عبد الحميد الدبيبة من تلك الميليشيات.. وقدرتها على تفكيكها أو وضع حداً لتجاوزاتها وانتهاكاتها، أو التوقف عن دعمها ومساندتها، في ظل الاتجاه الدولي والإقليمي والمحلي لفرض حالة الاستقرار في ليبيا.
إلا أنه مع تولي حكومة الدبيبة السلطة، عزمت على التحصن بتلك المليشيات وإنعاشها بشتى الطرق وتقديم الدعم المالي واللوجستي لها، متجاهلة وجود اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) وطرحها خططاً بخصوص وضع الميليشيات.. لتظل حكومة الدبيبة العائق الأكبر أمام اتخاذ أية خطوات في هذا الاتجاه، كما انخرطت في صراع سياسي حاد أيضا مع مجلس النواب.