تظل عملية «توحيد المؤسسة العسكرية» في ليبيا، حلماً «بعيد المنال» رغم الزخم المحلي والإقليمي والدولي لإنجاز تلك المهمة، في ظل الانقسام السياسي وسيطرة المليشيات على زمام الأمور خاصة في المنطقة الغربية، حتى أصبحت تهيمن على قرار السلطة التنفيذية في البلاد، وتفسد كل مآرب وجهود تحقيق توحيد الجيش الليبي، وسط دور متخاذل وضعيف للبعثة الأممية.
ولم تنجح جميع الحكومات السابقة منذ انهيار نظام العقيد معمر القذافي عام 2011 في توحيد المؤسسة العسكرية، وتشهد الفترة الحالية زخماً محلياً ودولياً نحو إنهاء الانشقاق الأمني والعسكري في البلاد.
ومع مرور ما يقرب من عشر سنوات والتي يصفها الليبيون بـ«العشرية السوداء» من سيطرة المليشيات والخارجين عن القانون والجماعات العابرة للحدود التي جلبها عرابو الإسلام السياسي بعد أن مكن لهم حلف الناتو من تدمير كامل البنية التحتية للجيش الليبي كمؤسسة عسكرية تجاوز عمرها الثمانين عاماً بحجة وذريعة أنها كتائب القذافي لتمرير وشرعنة استهداف قوات الجيش الليبي.
يبزع أمل توحيد المؤسسة العسكرية من جديد عبر لقاءات مستمرة بين أعضاء لجنة 5+5 والتى تشكلت من 5 عسكرين من الشرق و5 عسكرين من الغرب، احتضنتها عواصم إقليمية ودولية منها القاهرة وتونس وروما وغيرها من العواصم، لكن اللافت مؤخرا أنها عقدت على التراب الليبي، بين الفريق عبد الرازق الناظوري رئيس أركان الجيش الليبي ومحمد الحداد رئيس الأركان في المنطقة الغربية، والتي تشير إلى استعادة الجيش زمام المبادرة من جديد وتمثلت أجندتها حول نقاط محددة أبرزها حرمة الدم الليبي وعدم الاحتراب الداخلي ووحدة التراب الليبي وتأمين الحدود ومحاربة الهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة إضافة إلى التأكيد أن مهمة الجيش تتمثل في حماية الوطن والمواطن والدستور.
ويعكس إعلان قيادات الجيش الليبي تشكيل وحدة عسكرية مشتركة لحماية الحدود كخطوة أولى لتوحيد المؤسسة العسكرية مضيها قدما في تنفيذ الآليات المتفق عليها وتجاوز الانقسام السياسي الذي غداة الصراع المسلح والاستنجاد بالمليشيات والمرتزقة ويعد تشكيل الوحدة اختبارا حقيقيا لكيفية إدارة تلك الوحدة بشكل متناغم بين القيادات العسكرية وحصول ذلك سيمهد الطريق لتوحيد تلك المؤسسة.
عقبات أمام توحيد المؤسسة العسكرية
ومن جانبه، وصف الدكتور محمد الزبيدي أستاذ القانون الدولي، لقاءات القيادات العسكرية في المنطقة الشرقية وقادة المليشيات في الغرب الليبي بـ«الإيجابي» وكسر جبل الجليد بين الطرفين، مؤكدا شجاعة الطرفين، ومشيرا إلى أنه لا يزال أمامهم الكثير من العقبات ويحتاجون لوقت طويل لتوحيد المؤسسة العسكرية في البلاد .
بينما يقول فرج زيدان الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية، إن توحيد المؤسسة العسكرية أمر بعيد المنال لوجود ميليشيات في الغرب ورفضها بقاء المشير خليفة حفتر قائدا للجيش، فضلا عن أن توحيد المؤسسة العسكرية يعنى بداية إنهاء الوجود المليشياوي والتنازل عن المزايا والمكاسب المادية والسياسية وغيرها التي تتمتع بها تلك المليشيات ورفضها بشكل تام بداية عودة الدولة الليبية بمؤسساتها وأولها الجيش والأجهزة الأمنية.
ويرى على التكبالي عضو مجلس النواب، أن بداية توحيد المؤسسة العسكرية يأتي عبر إنهاء وجود المليشيات ولكن تأبى حكومة الوحدة الوطنية “منتهية الولاية” برئاسة عبد الحميد الدبيبة القيام بذلك، لأن مليشيات طرابلس هي التى تقوم بتأمينه وحمايته مقابل منحها أموالا طائلة، وفي الوقت نفسه لا يستطيع محاسبة هذه المليشيات؛ لأنه سيجد نفسة متورطا.
ونفى التكبالي، حدوث تفاهمات بين الدبيبة وبين أي مؤسسة ليبية شرعية تسعى إلى تفكيك وإنهاء الوجود المليشياوي في الغرب .
إلا أن عز الدين عقيل الكاتب والباحث السياسي، يشير إلى أن حل المليشيات لن يأتي إلا بقرار دولي ولا تستطيع أي قوة في البلاد تفكيكها إلا المجتمع الدولي مطالبا بإخلاء المنطقة الغربية من المرتزقة والقوات الأجنبية والمليشيات
كما ذكر يوسف الفارسي، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة درنة، أن أكبر معوق يعرقل توحيد المؤسسة العسكرية هو فوضى السلاح والتي تتجاوز 23 مليون قطعة سلاح والمليشيات الخارجة عن القانون وغير الخاضعة لسلطة الدولة خاصة مع التدخلات العسكرية الأجنبية ووجود مرتزقة وقوات أجنبية.
وطالب الفارسي، بدعم دولي لجهود اللجنة العسكرية لإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية وبدء تطبيق برنامج حل وتفكيك المليشيات ونزع سلاحها.
دور الجيش الليبي
الجهود الحثيثة لوحدة المؤسسة العسكرية، تشير إلى أن الجيش الليبي استعاد المبادرة من أجل توحيد تلك المؤسسة التي انقسمت شرقاً وغرباً وتدخلت فيها السلطة السياسية التي انحرفت بجزء من المؤسسة العسكرية عن مسارها الصحيح كمؤسسة عسكرية عريقة ومنضبطة تؤمن بالدولة المدنية فالجيش الليبي الذي تم تأسيسه في 9 أغسطس عام 1939 من قبل مجاهدين ليبيين جيش وطني يتشكل من فسيفساء وطنية وتنوع أفراده بين الشرق والغرب والجنوب عقيدته وطنية خالصة ولا يحمل أجندات خارج حدود الوطن وأثبت مهنية وانضباطية عالية في دحر المليشيات وإعادة احياء الدولة في الشرق والجنوب وحماية حقول النفط وحافظ على احترام قواعد الاشتباك وليس من المنصف أن يشبه جيش وطني يحارب الإرهاب وجماعات الإسلام السياسي والفوضى وذلك من أجل بقاء ليبيا كدولة وطنية وبحدودها الجغرافية غير المنهوبة ولا المحتلة دولة يتنازعها محيط إقليمي تتحكم فيه قوى غاشمة كانت محل جدال مستمر وشكوك بل وحتى شواهد على التدخل والعبث بالمشهد السياسي بمليشيات تقتل وتدمر وتنهب الاموال وتسعى بكل قوتها لعدم استعادة الدولة لكيانها .
رغم حجم التآمر والافتراء على الجيش الليبي الذي تنوعت الأوجه فيه بين تدمير مباشر قام به حلف الناتو تجاه جيش وطني بذريعة أنه كتائب القذافي وتعرض بعدها لمشروع تفكيك ما تبقى من قواته ومحاولة استنساخ سيناريو بول بريمر في العراق بتشكيل الإسلام السياسي ميليشيات موازية بقيادة تنظيم الإخوان فترة حكومة المؤتمر الوطني إلى فرض حظر تسلح على الجيش ليظل ضعيفاً في مواجهة المليشيات، إلا أن الجيش استطاع النهوض من تحت الرماد بمناصرة القبائل الليبية.