في الشدائد يعرف الرجال ،مثل شعبي متداول على ألسنة الناس،وخاصة عندما تتعرض لموقف صعب تحتاج فيه إلى مساندة ومساعدة الناس ،وعلى الرغم من إيماني بالأمثلة الشعبية ومدي مطابقتها للواقع إلا إني أجد هذا المثل عنصري ومنحاز للرجال فقط ،وعندما سئلت صديق لي عن أصل هذا المثل قال أن المثل قد ناله التحريف مع مرور الوقت وأصل هذا المثل هو “في الشدائد تعرف معادن الناس”،واعتقد أن كلام صديقي هو الأصدق والأوقع فالرجال قد حرفوا المثل لصالحهم .
ومن منطلق أن الشدائد تظهر معادن الناس ،والعالم اليوم يمر بمحنة هي الأصعب في التاريخ الحديث وهو انتشار وباء (كورونا ) القاتل في كل أرجاء الكرة الأرضية ،هذا الوباء الذي لم ينجوا منه صغير ولا كبير ولا غني وفقير أو رئيس وملك فالكل في مرمى هذا الوباء سواء ،حتى الإجراءات الاحترازية لم تنجيك من هذا الوباء بشكل مانع ،فلقد أصاب من سكن القصور ،ونجا منه من عمل في جمع القمامة والمخلفات ،ومع أن الإجراءات الاحترازية وعون الله عز وجل يساعد ويساهم في النجاة من الإصابة من الفيروسات المعدية مثل الكورونا والأنفلونزا والالتهاب السحائي وغيرها ،فوِقَايَةُ اللهِ اغْنَت عَنْ مُضَاعَفَةٍ مِنَ الدروْعِ وَعَنْ عَالٍ مِنَ الْاطُمِ. كما قال الامام البوصيري
واليوم تحارب كل الأطقم الطبية في مصر والعالم جائحة كورونا وهم في ميدان المعركة ،يتعاملون يوميا مع مصابين ،وأصبحوا بذلك مخالطين وفي مرمي نار العدوى ،ومع ذلك اجتهدوا وعملوا ولم يرهبهم الموت ،فمن دخل ميدان الكورونا فهو في معركة قاسية ،يعمل بكل جهد وكفاح ونضال في محاولة قتل الوباء ،ويحاول أن يتجنب سهام ورماح وسيوف العدوى ،انه محارب في الميدان مصطحب معه في المعركة كل أفراد أسرته ،فإذا أصيب في المعركة أصاب أهلة وقد يهلك الجميع من خلال رمح أو سهم أصابه ومع ذلك لم يبال هؤلاء من تلك المخاطر ،أنها معركة الأبطال الذين لا يقدر كفاحهم بالمال أو الثناء أنها معركة الحياة والموت في ميدان العزة والكرامة والشرف الديني والأخلاقي والإنساني ،أنهم أبطال المعركة الفيروسية الجديدة القاسية التي لا يعرف موعد نهايتها إلا الله عز وجل ،لان محاولات البشر تصطدم بتدابير الله ويبقي الشرف والعزة للأطباء وأطقم التمريض وكل من يتواجد داخل أسوار المستشفيات من مدير المستشفي إلى عامل النظافة الذي يجمع مخلفات تلك الحرب حامية الوطيس والتي قد يصاب منها ،فالتحية والتقدير والعرفان بالجميل من كل البشر لهؤلاء وهو أقل تقدير وعلى الدول أن تعيد النظر في تقدير هؤلاء الإبطال ماليا وأدبيا .
وفي النهاية اختم حديثي بنموذج وصورة فريدة تغني عن الكلمات وتؤكد أن في الشدائد تعرف معادن الرجال والنساء والأطفال والشيوخ وكل صاحب أصل ومعدن نفيس وهمة أنها الصورة التي التقطت للممرضة أية على محمد أحد الممرضات من محافظة الشرقية وتعمل ضمن أطقم التمريض قي مستشفي الحسينية بالشرقية وتداولت بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي في الساعات الماضية ،أن الصورة تغني عن ملايين الكلمات ،فهي تجلس بجوار حالة مصابة بكورونا ليس والداها ولا أخيها ولأزوجها ولا ابنها ،انه مجرد مريض ربما لم تعرف أسمة حتى تلك اللحظات ولكنها الإنسانية والرحمة والتضحية .
إن هذا النموذج من الجهاد الفريد في ميدان المعركة يؤكد لنا أن الإنسانية والرحمة لن تغيب عن كوكب الأرض وان مسؤولي الصحة في العالم مهما دفعوا لهؤلاء من أموال وقدموا لهم تكريمات فلن يوفهم حقهم ،فأن الجزاء الأوفى عند الله عز وجل ففي الشدائد تعرف الرحمة .