مقالات

باتيلي وتحديات المسار الأممي في ليبيا

وسام عبد الكبير ..كاتب وباحث سياسي ليبي

نهاية أكتوبر الجاري تنتهي السنة الأولى لعمل باتيلي على رأس البعثة الأممية في ليبيا ، سياسيآ هو عام باتيلي بأمتياز ،لقاءات ومشاورات ، جولات مكوكية من غرب البلاد إلى شرقها وجنوبها ، إحاطات وزيارات إلى العديد من العواصم الدولية ، العنوان الأبرز للأعلام الليبي والسوشل ميدًيا هو باتيلي ،

و قد سبق باتيلي العديد من المبعوثين ، بداية من عبد إلإله الخطيب الذي تم تكليفة كمراقب لتطوات الأحداث في ليبيا 2011، إلى أن تم تعيين البريطاني أيان مارتن رئيسآ لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في سبتمبر من نفس العام ، وبعد نجاح أنتخابات المؤتمر الوطني و أستلام مهامه من المجلس الوطني الأنتقالي في عرس ديمقراطي مهيب، أعلن الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون ، في سبتمبر 2012 تعيين طارق متري رئيسآ لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وممثلآ للأمين العام للأمم المتحدة.

ومع إنتخابات مجلس النواب وبداية شبح الأنقسام السياسي وأحتدام الصراع المسلح في البلاد ، في أغسطس 2014 تم تعيين الأسباني ليون رئيسآ لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ، من أجل جمع الأطراف الليبية للحوار وحل الأزمة السياسية وأنهاء النزاع المسلح في البلاد ، و إنقاد المسار الديمقراطي.

وفي نوفمبر 2015 حيث كان الصراع على أشده بين الأطراف الليبية ، ومع سيطرة تنظيم الدولة على مدينة سرت ، تم تعيين الألماني كوبلر رئيسآ لبعثة الأمم المتحدة في ليبيا ،وبعد أن ساهم كل من ليون وكوبلر في أتمام أتفاق الصخيرات مابين الأطراف الليبية المتصارعة،لم يتمكن الأتفاق من أنهاء الأنقسام السياسي ، وضع سياسي هش لم يصمد طويلآ.

وفي 22 يونيو 2017 الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش ،يُعين غسان سلامة ممثلآ خاص له ، ورئيس لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ، وأكد غوتيريش أن خبرة سلامة في الجمع بين الأطراف العراقية ، ستساعدة في إدارة الحوار مابين الفرقاء الليبيين، وبينما كان الجميع ينتظر الملتقى الجامع في أغدامس ، أندلعت الحرب في أبريل 2019 ، ومعها تلاشت أفق الحل السياسي للصراع في ليبيا.

وفي بداية مارس 2020 غسان سلامة يُعلن عن أستقالتة من رئاسة البعثة الأممية لأسباب وصفها بالصحية، ويمكن السبب الحقيقي لأستقالة سلامة هو شعوره بالأحباط تجاه المجتمع الدولي ، الذي لم يوفي بالتزاماته تجاة الأزمة الليبية، إلى أن وصلت الأمور إلى طريق مسدود،و تم تعيين ستيفاني وليامز كممثلة خاصة بالإنابة ، ورئيسة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا ،
أستملت ستيفاني وليامز مهامها في ظروف صعبة ، نيران الحرب مشتعلة على أطراف العاصمة طرابلس.

حيث عملت منذ 2018 نائب لرئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ، نجحت ستيفاني في أنجاز خارطة طريق إتفاق جنيف، و تشكيل حكومة موحدة للبلاد ،بعد سنوات طويلة من الصراع و الأنقسام السياسي ،وتم كذلك انتخاب مجلس رئاسي جديد في ملتقى الحوار السياسي في جنيف.

وبعد شد وجدب بين روسيا والصين من جهة والولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية من جهة أخرى ، في منتصف يناير 2021 مجلس الأمن يعين السلوفاكي يان كوبتش رئيسآ لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ،بعد فشل إنجاز الأنتخابات البرلمانية والرئاسية في 24 ديسمبر 2021، و مع عودة شبح الأنقسام السياسي والمؤسسي ، و قيام البرلمان بحجب الثقة عن حكومة الوحدة الوطنية.

في نوفمبر 2022 المبعوث الأممي كوبتش يقدم أستقالتة بعد أقل من عام من تعينة رئيسآ للبعثة، بعد أن وصل إلى طريق مسدود في التعامل مع الأطراف الليبية والدولية بخصوص موضوع الأنتخابات ، لم يتلقى الدعم الكافي من المحتمع الدولي ،عاد الجدل في مجلس الأمن للبحث عن مبعوث أممي جديد ، وكان الأمر في غاية الصعوبة في ظل الأنقسام الحاصل في مجلس الأمن مابعد حرب اوكرانيا.

في بداية سبتمبر 2022 ، تم الأتفاق على تعيين عبدالله باتيلي ممثلآ للأمين العام للامم المتحدة ورئيس لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ، قدم باتيلي أحاطة الأولى في 24 أكتوبر 2022 ،بعد شهر من أستلامه مهامه ، حيث وصل إلى ليبيا في 16 أكتوبر ، وأشار باتيلي في أحاطتة ان الأزمة السياسية لاتزال قائمة ولا حل يلوح في الأفق ، خاصة فيما يتعلق بالسلطة التنفيذية .

وتطرق باتيلي في إحاطتة الثانية في 16 ديسمبر ، إلى أهمية اجتماعات القادة السياسين داخل ليبيا ، من أجل ألتئام جروح المجتمع التي خلفها الأنقسام السياسي ، وحذر من خطورة الأنقسام ، وأكد على ضرورة وجود إرادة سياسية لتخفيف من خطورة تقسيم البلاد ،استمرت محاولات المبعوث الأممي الأفريقي في البحث عن وصفة سحرية لحل معضلة المسار الأنتخابي.

ومن خلال أحاطتة في 27 فبراير الماضي ، أشار باتيلي إلى أن صبر الليبيين قد نقد ، وان أمد العملية السياسية طال أكثر من اللازم ، وأن الليبيين باتوا يشككون في رغبة الفاعلين السياسيين في أجراء إنتخابات شاملة في 2023 ، ووصف باتيلي التعديل الدستوري الثالث عشر الذي صادق عليه البرلمان في 8 فبراير ، بأنه محل جدل في اوساط الطبقة السياسية الليبية ، ولم يعالج النقاط الخِلافية ، ولا يتضمن خارطة واضحة للوصول لأنتخابات شاملة في 2023، و دعا باتيلي إلى إنشاء لجنة تسيير رفيعة المستوى للأنتخابات في ليبيا ،أستنادآ الى المادة 64 من الأتفاق السياسي الليبي لعام 2015 ،

وفي 11 مارس عقد باتيلي مؤتمر صفحي في طرابلس ، بارك فيه توافق مجلسي النواب والدولة على التعديل الدستوري الثالث عشر ، و لم يقدم أي جديد بخصوص اللجنة رفيعة المستوى ، مع تغيير موقفة بالقبول بالتعديل الدستوري الثالث عشر ،
واكد باتيلي في إحاطتة في 18 على العمل من أجل إنجاز مبادرتة بالوصول إلى إنتخابات شاملة نهاية العام ، من خلال حشد الأطراف الفاعلة ، مجلسي النواب والدولة ، والحكومة ، والمجلس الرئاسي ، من أجل تحقيق توافق بشأن القضايا الأمنية والسياسية ، ودعا باتيلي مجلسي النواب والدولة إلى تسريع أعمال اللجنة المشتركة 6+6 مع أستعداد البعثة لتقديم الدعم اللوجستي لها، وفي الختام أكد باتيلي أنه اجرى مشاورات في طرابلس وبنغازي وسبها ، مع ليبيين من الأقاليم الثلاثة، يمثلون المحتمع المدني والنساء والاحزاب السياسية والأعيان والمكونات الثقافية ، لمعرفة مطالبهم بشأن الأنتخابات ،
وبعد أعلان لجنة 6+6 توافقها على قوانين الأنتخابات الرئاسية والبرلمانية في بوزنيقة في 3 يونيو الماضي ،
أتجهت الأنظار إلى إحاطة باتيلي في 19 من نفس الشهر.

أكد باتيلي أن أتفاق لجنة 6+6 على القوانين الأنتخابية خطوة أضافية ولكنها ليست كافية لتنظيم أنتخابات ناجحة،
ويوجد قصور وثغرات في القوانين المقترحة ،وهناك أربعة مسائل خلافية ، تشمل شروط الترشح للأنتخابات الرئاسية ،
وألزامية الجولة الثانية في الأنتخابات الرئاسية ، والأحكام التي تنص على ربط الأنتخابات البرلمانية بالرئاسية، وتشكيل حكومة جديدة قبل أجراء الأنتخابات.

يرى باتيلي أن هذه المسائل موضوع خلاف كبير ،وتتطلب أتفاقآ سياسيآ بين أبرز الفاعلين والمكونات الرئيسية للمجتمع الليبي،وبدون هذا الأتفاق على أحكام القوانين المتعلقة بهذه المسألة ، يجعل هذه القوانين غير قابلة للتطبيق بل قد تؤدي إلى أزمة جديدة ،

وفي أحاطتة في 22 أغسطس الماضي ، أكد باتيلي مواصلة مشاوراتة مع الأطراف الليبية الرئيسية ، بهدف معالجعة أوجه القصور في القوانين الأنتخابية التي أعدتها لجنة 6+6 ، والنظر في المقترحات المقدمة من المفوضية العليا للأنتخابات، و بعثة الأمم المتحدة في ليبيا وبعض الأطراف الليبية، لسد الثغرات القانونية ، وكذلك البحث في أمكانية عقد لقاء مباشر بين الأطراف الرئيسية أو ممثليهم بشأن التوصل لأتفاق سياسي بشأن القضايا الرئيسية الأربعة المختلف بڜأنها، والذي تم تحديدها في الأحاطة السابقة،

وفي أحاطتة الأخيرة في 16 أكتوبر الجاري ، أكد باتيلي أن المسائل الخلافية التي تحدث عنها في الأحاطة السابقة لم تحل حتى الآن ،وهي إلزامية الجولة الثانية للأنتخابات الرئاسية ، وربط الأنتخابات البرلمانية بالرئاسية، وتشكيل حكومة موحدة ،وأن البعثة طالما دعت إلى ضرورة وجود قوانين أنتخاببة قابلة للتطبيق.

و أن قانون لجنة 6+6 عالجا كثيرا من النقاط من الناحية الفنية ، وأن تشكيل حكومة واحدة يحتاج إلى توافق وتشاور كل الأطراف ،و تعكس ألزامية الجولة الثانية غياب الثقة بين الأطراف ، وقد تستغل لأستبعاد بعض المترشحين في حال فوزهم،
وأشار باتيلي ، إلى ان رفض تعديلات لجنة 6+6 بعد بوزنيقة.

من قبل مجلس الدولة يمثل خيارا سياسيا يهدد المكاسب التي تحققت ،ودعا باتيلي مجلس الدولة للتخلي عن موقفة الرافض للقوانين ،

وأكد باتلي ان القوانين وحدها لن تكفي لإتمام عملية أنتخابية ناجحة بل تحتاج إلى توافق وطني دون إقصاء ،
وأن مفوضية الأنتخابات أبلغت البعثة ، أن تنفيذ قوانين الأنتخابات لن يبدأ ، ألا بعد حل مسألة الحكومة الجديدة حسب قوانين الأنتخابات الصادر من لجنة 6+6 .

وفي الختام دعا باتيلي القادة الرئيسيون في ليبيا إلى الأجتماع والأتفاق على تسوية سياسية ملزمة ، يكون عمادها حكومة موحدة تقود ليبيا إلى الأنتخابات ، وأن البعثة على أستعداد لتسيير هذه العملية ،
بعد عام من العمل في رئاسة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، لم بصل باتيلي إلى نتائج واضحة ، ولاتزال عوائق عديدة تحول دون تحقيق الأستحقاق الأنتخابي في ليبيا.

على المستوى المحلي فان الأطراف الرئيسية تختلف مصالحها ورؤيتها في الوصول للأنتخابات ، مع أتفاقها الضمني على أستمرار الأزمة وتمديد بقائهم في السلطة ، وعلى المستوى الأقليمي فأن الدول المتداخلة في الڜأن الليبي غير جادة بدعمها لتسوية سياسية شاملة تقود إلى إنتخابات ، وتدفع بأتجاة أستمرار الوضع القائم ،
وعلى المستوى الدولي ، الأنقسام الواضح في مجلس الأمن مابين الدول الكبرى مابعد حرب أوكرانيا، وانعكاس ذلك على الملف الليبي ، والمنطقة بشكل عام .

وأخيرآ يمكن القول أن باتيلي لم يكن أكثر حظآ من المبعوثين السابقين، واجه العديد من الصعوبات حالت دون تنفيذة المهام الموكلة إلية ،كما أن الأوضاع الأقليمية والدولية لم تخدم باتيلي في المسارات التي عمل على إنجازها، الأمر الذي يدعو باتيلي للبحث عن طرق وأدوات جديدة لفك شفرة الجمود السياسي ، وتسيير الوصول لتسوية سياسية شاملة بين الأطراف الرئيسية الفاعلة في ليبيا ،

زر الذهاب إلى الأعلى