الدستور وضرورته، وإلقاء تبعات ما حل بليبيا على كاهل غيابه إذ لو كان بليبيا دستور ما كانت فبراير، ولا التدخل الأجنبي ولا الحرب الأهلية، ولا هذا الانقسام والتشظي، ولما كانت هناك “فجر ليبيا ولا شروق” ولا “طحالب وجردان” ولا بعثة أممية ولا نهب ممنهج لثروات ليبيا؛ لقد صورته شطحات الغافلين على أنه جندي من جنود الله المبعوثين لتغيير مصير ليبيا، وأنه قادر على وأد الفتنة، وإيقاظ الضمائر، فهو من سيقلب الكفر إلى إيمان والكراهية إلى حب والتعصب إلى تضامن والصراع إلى تعاون.
وهو من سيغير موازين القوى ويعصف بالفوضى وقد يرفع من شأن ليبيا وسيطلق حضارة ويضع نهاية للتخلف والقبيلة، فهو سيضع الحد لفوضى السلاح للهيمنة، ومن المرجح تفكيكه للمليشيات ويصنع المستقبل القائم على قيم وفضائل المساواة والعدالة والاحترام المتبادل بين أبناء الشعب الليبي، وسيوقظ الدستور ضمائر الساسة وبارونات السلاح وتجار الحروب الذين لم تنجح القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية في ايقاظها.
وظل الناس يلهثون وراء الدستور وينتظرون مولده على أمل أن ينقلهم من ظلمات الواقع إلى نور الغد الموعود، وفي هذه الأثناء تغولت المليشيات وتنمرت العصابات، وتم نهب الثروات وعجت السجون والمقابر والمنافي بأبناء البل،د وعاد الاستعمار سافرا ومحتشما، وتحولت ليبيا إلى دولة فاشلة تتأبى الدول التي شهدت حروبا ومجاعات وتشظيا وانهيارا أن يتم تشبيهها بليبيا، وحتى يومنا هذا لم يتنبه إلا القلة القليلة بأن الدستور مجرد قانون يعلو في سلم الترتيب على بقية القوانين التي لا تحظى بأدنى درجة من الاحترام، فكيف وحال القانون الجنائي والمدني والاداري والأحوال الشخصية وحقوق الانسان، والمرور والتجاري والبحري كما ترون، أن يكون للدستور قيمة في بلد لا قيمة للإنسان فيه.